مرت أمريكا بظروف أسوأ وأصعب من الظروف التي تمر بها اليوم، مرت بالحرب الأهلية التي قتل فيها نصف مليون أبيض من ١٣ مليون هم عدد السكان وقتها، ومرت بحركة المطالبات المدنية والتي قتل فيها كل من الزعيم الأمريكي المسلم الأسود مالكولم إكس الذي يرى الأمريكيون السود أن تأثيره في المطالبة بحقوقهم كان الأعلى بين زعماء السود، فقد دخل في الإسلام على مذهب أليجا محمد المشوه، حيث كان يؤمن بأن الوحي ينزل عليه، وأن السود هم شعب الله المختار، وأن البيض هم شياطين الله في الأرض، جاء مالكلوم إكس بصحبة وارث الدين محمد، إبن أليجا محمد إلى مصر، وقابل بعض علماء الأزهر فاخبروه بأن الإسلام لا يفرق بين البشر، وان أكرمهم عند الله أتقاهم، جاء الاثنان إلى المملكة وقابلا الملك فيصل رحمه الله، وذهبا للصلاة في مسجد في جدة، وكان الإمام أسودا، ظن مالكلولم إكس انهم جاؤا به خصيصا لإرضائه وزميله، ولكن اتضح له من سؤال الإمام أنه يعمل إماماً منذ اثني عشر عاما، وفي الحج تبين لهما أن الإسلام لا يفرق بين الناس إلا بالتقوى، وأن جميع الألوان والأجناس تقف مع بعضها في عرفات، بعد الحج زار مالكلوم إكس عددا من دول إفريقيا، وتحدث إلى برلماناتها، وكان يسعى إلى جعل قضية السود في أمريكا قضية عالمية تناقش في أروقة الأمم المتحدة، وكان رجال الاستخبارات الأمريكية يتابعونه في رحلته، كما تبين في الفيلم الذي صنع عن حياته وشخصيته، وفي عام ١٩٦٥م قتل أمام زوجته وبناته الأربع وهو يلقي محاضرة في أحد فنادق نيويوك، وبعده باربع سنوات تقريبا قُتل الزعيم النصراني الأسود مارتن لوثر، وكان من أهم اسباب تلك الأحداث، والصدامات العنيفة التي حصلت بين الشرطة والشعب، وخاصة السود، ان القانون كان يقضي بان مقدمة الباص للبيض، ومؤخرته للسود، وإذا دخل ابيض وليس هناك مقعد فارغ، فعلى أحد السود الخروج وانتظار الباص الذي يليه.
حدث مرة أن أبيضاً دخل ولم يكن هناك مقعد إلا واحدا فيه امرأة سوداء حامل، فرفضت الخروج بحجة وضعها الصحي، فأخرجت بالقوة، وكان هذا سبباً لصدامات عنيفة بين الطرفين، فطلب مارتن لوثركنج من السود مقاطعة شركة الباصات، فكان منظر السود وهم يسيرون على الأقدام، او على دراجات هوائية يلفت الانتباه، وكانت الشرطة تتعمد إيقاف سيارات السود وإعطائهم قسائم جزاءات لأسباب واهية، ولكن أسلوب لوثركنج المتأثر بأسلوب غاندي القائم على المقاومة السلبية والسلمية اجبر شركة الباصات على تغيير سياستها لكثرة خسائرها، وجرى تغيير الكثير من القوانين والأنظمة على مستوى البلاد فيها تخفيف من العنصرية ومن آثارها في الحياة الاجتماعية، ولكن التطبيق يختلف عند كثير من البيض العنصريين وخاصة من يسمونهم ذوي الأعناق الحمراء، فبعض البلدات لا يستطيع السود الدخول لها، حتى لتعبئة الوقود، وإذا فعلوا فهم عرضة للضرب وربما القتل، وحركة كي كي كي ( كو كلكس كلان) حركة بيضاء عنصرية تستهدف كل من ليس أبيضاً مسيحياً، وراح ضحيتها الكثير السود والملونين.
وبعد تلك الأحداث المتتالية أقبل السود والملونون وبعض البيض على الدخول في الإسلام بأعداد كبيرة، ومن أسباب ذلك تعاليمه المحاربة للعنصرية، وأنها منتنة، وأن من مات على عصبية مات ميتة جاهلية، وكنت ترى جميع الأجناس في المساجد، وقد ربطت بينهم اخوة العقيدة والدين، كما ربطت بين بلال وصهيب وسلمان في العهد النبوي وعصر صدر الإسلام.
وفي عهد بوش الأب، وفي الوقت الذي صدر فيه كتاب (نهاية التاريخ) لفوكوياما، قام ثلاثة من رجال الشرطة في ضواحي لوس أنجلوس بإيقاف سائق شاحنة أسود، وانهالوا عليه ضرباً بهراواتهم حتى فقد الوعي ودخل في غيبوبة، كان هناك رجل في موقع غير بعيد وصور المشهد من بدايته حتى نهايته، وباع التصوير على قناة فضائية، وبدأت الاحتجاجات السلمية، فتمت محاكمة رجال الشرطة الثلاثة، وأصدر القاضي الأبيض حكماً ببراءتهم، فاشتعلت المظاهرات والاحتجاجات في أماكن عدة، وخاصة في لوس انجلوس،وتم النهب والحرق، وقتل في تلك الاحتجاجات حوالي خمسين شخصا، وبلغت الخسائر المادية حوالي ثلاثين مليار دولار، واستعانت السلطات بالحرس الوطني، وتمت إعادة محاكمة رجال الشرطة وإدانتهم هذه المرة، وكأن القضاء حسب الطلب، وتبين أن التاريخ لم ينته، كما قال فوكوياما، وتتجدد قضية قتل الشرطة للسود والملونين بين وقت وآخر، والحادثة الأخيرة حدثت أمام الكاميرات وتم نقلها للعالم كله، وغضب من أجلها كل من لديه إنسانية وضمير، وسوف تنتهي هذه كما انتهت الأزمات التي قبلها، ولكن يجب أن يتمخض عنها حلول، ولعل من أبرز الحلول أن تكون فرق الشرطة مكونة من جميع الألوان، وأن يستبعد كل منه له ميول عنصرية، والله المستعان.