ذُكر في سير أعلام الوزراء أن وزيرًا في أرض الحرمين، قد كان لزملائه الوزراء قدوة وفيه لمن بعده منهم أُسوة، فما كان يأخذ من يعمل معه بالقوة، وما كان يستأثر دونهم بالرأي ولا يقابل أفكارهم ومشورتهم بالنأي ويقضي حاجاتهم بلا لأي.
ومما يروى عنه أنه لم يحشد حوله الأصوات الناعقة، ولا استأجر الأقلام الزاعقة؛ لكي تقولَ إن شمسه ليست شارقة، وأن العباد في بحر جوده غارقة، بل إن بصماته هي الفارقة، وقد كان فيما روي عنه وزيرُ للتجارة فكان الإنجاز على نجاحه أمارة، حينها ما قعد على كرسي الوزارة لينزل إلى الميدان فيكشف أسراره، ويستطلع أخباره فما لبث أن ضبط أسعاره، وأنهى احتكاره، وواجه المتنفذين فيه بجسارة، ولما رأى ملوكه أمانته واقتداره، جعلوه على وزارة تطلب به الاستجارة فنفذ الأمر بقوة شكيمة وإرادة جبارة متبعًا كتاب خالقنا وسنة من نقتفي آثاره، فاستحق قيادة الجيش الأبيض لمملكته بجدارة ضد طاعون وجائحة ضارّة فكان مبتعدًا كل البعد عن الإثارة، فكل ما حدّث أبناء مملكته حمل لهم بشارة مبتسمًا مشرق الوجه ذو نضارة، فيخاطبهم بأصدق وأطيب عبارة، وينشر بينهم الطمأنينة والأخبار السّارة، ويقضي على الشائعات الكاذبة الضّارة، ومع أن رحى الحرب كانت دائرة والله وحده يعلم إلى أين هي سائرة إلا أنه أخرص الألسن الثائرة ومطلقي الأحكام الجائرة، وأثبت أن للخير بقية، وشهدت له كل الأنفس السوية بالحكمة والرويّة فكانت سيرته حميدة عطرة زكية. وقد قيل عنه إنه كالرفق ماكان في مكان وشيء إلا زانه، وقيل إنه كالماء للنبتة العطشانه، وأنه ماعمل عملًا إلا وشيد وأعلى بنيانه، فلله دره أتعب الوزراء من بعده.