المقالات

نحو زواج مُيَسَّر مختصَر

يُشكِّل الزواج أحد أهم ثلاثة مشاريع ينصب أغلب تفكير شبابنا عليها بعد الالتحاق بالوظيفة، فالبيت والزواج والسيارة ثلاثة لا يخلو تفكيرُ شاب منها.. وإن كان الهمّ يتقاسمه الجنسان، إلا أن العبء الأكبر يقع على كاهل الرجال..

ومع استطالة جائحة كورونا، وما يُحتّمه التعامل معها، والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة – وفقها الله وأعانها – ومن ذلك تقنين تجمعات المناسبات الاجتماعية، كالزواجات.. تأتي أخبار سارة عن زواجات مختصرة تمت داخل البيوت، وفي نطاق الأُسر، ميسرة، مختصرة، وتُؤدي الغرض، وتُوفر المال، والجهد، وتختصر الكثير من الوقت، وينزاح معها الكثير من الهم.. لكنها قليلة جدًّا، مع ما اعتاده المجتمع في مثل هذا الوقت من العام من مناسبات كثيرة، ربما ازدحمت الليلةُ الواحدة بها..
ولو تأمّلنا، فإن تكاليف الزواج، وديونه، وهمومه..ستؤول نتائجها للزوجين جميعًا، فالزوجة ستنتقل لبيت زوجها، وتلك الليلة التي أتت على الأخضر واليابس، أو مرّت خفيفة، مختصرة، جميلة.. ستذهب، ويبقى تسديد مستحقاتها على الزوج، والزوجة شريكة حياته، ستتأثّر بما سيكون عليه حال زوجها؛ يُسْرًا وعُسْرًا، سعةً وضِيقًا..
وإذا راعينا مصلحة الزوجين -كأساس- ، فإن تكاليف قصور الأفراح، والقاعات، وما يترتب على ذلك من ضيافة وإيجار ووليمة وغيرها.. سيُوفِّر العريسُ “الزوج”، منها مبالغ مالية كبيرة، لا تقل عن خمسين ألف ريال.. تكفي لإيجار شقّتهما لثلاث سنوات، أو شراء سيارة لهما، أو تكون نواة لمشروع تجاري يبدآن به حياتهما..
والفرصة اليوم مواتية لأهالي الزواجات؛ ليبادروا نحو زواجات مختصرة، في البيوت، ومع الأسرتين، وبأقل التكاليف، فثقافة التغيير تحتاج للمبادرة، والصبر والمصابرة، والتفكّر في ماآلات الأمور، وعواقب ما سينتهي به زواج في قصر أو قاعة، يُكلِّف عشرات وربما مئات الآلاف من الريالات.
وفي المقابل، الزواج المختصر يُؤفِّر الكثير من الوقت والجهد والمال على أهل الزواج وعلى المدعوين، وكم ذهبت من أرواح، وأُزهقت من نفوس في حوادث سيارات، وهم ينتقلون من مدينة لمدينة؛ ليحضروا مناسبة زواج؛ فانقلبتْ أفراحهم لعزاء، ومجتمعهم لمأتم.. وحض الناس على الإقبال على الزواج المختصر الميسر، وبيان محاسنه، سيُسهم في انتشاره بين الأسر، في المدن والهجر، في المحافظات والقرى، فتُضيّق دائرة المبالغة والتكاليف الزائدة، ويكفي أن تنظر في بيتك، ومن حولك: كم فيه من فتاة طال انتظارها للنصيب، وشاب يَعُدّ الليالي ليلة بعد ليلة؛ لعل أموره تتحسّن فيتزوّج..
وإليك أيها القارئ الكريم بعض المقترحات في سبيل مناسبات زواج ميسرة، ومختصرة:
أولًا: الإعلان عن الزواج قبل موعده بوقت مناسب كشهر، أو أسبوعين، عبر الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، مع الإشارة في نص هذه الرسائل إلى أن الزواج سيكون مختصرًا؛ حتى تنتشر ثقافة التيسير والاختصار.
ثانيًّا: دأبتْ بعضُ المجتمعات والأسر على إعانة العريس “الزوج”، والإهداء إليه، والزوج في مثل هذه الحالات مظنة للإعانة، وإعانته بما يستطيع المرء وضمن الضوابط أمر مندوب له، فلو تولّى إمام الحي، أو العُمدة، تنظيم ذلك، وعون أخيهم، فإعانة الزوج لا تتوقّف على أن يكون الزواج في قصر أفراح، وحبذا لو تمّ إيصالها للزوج قبل موعد الزواج، وفي هذا عون المسلم لأخيه، و️ردّ لبعض الجميل، وفرصة للإهداء، ومكافأة على حُسن الصنيع، وهي صلة عند بعض الناس، وإعذار لمَن لم يحضر، وذلك مما يشجّع على إقامة وتيسير أمور الزواج. يُنظر فتاوى اللجنة الدائمة 19/ 139، 142.
وإذا كانت بعض الجهات والمؤسسات – مشكورة – تدعم الزواجات الجماعية، وتنظّمها، فدعم وتشجيع الزواجات المختصرة مما ينبغي أن يحظى بعنايتهم، ودعمهم.
ثالثًا: نشر أخبار الزواجات التي تجري بهذه الطريقة في وسائل التواصل، حتى تساعد في تغيير ثقافة بعض الأسر، ولو أن المراكز الإعلامية في المحافظات والمدن، والمؤسسات والجمعيات الحكومية والأهلية ذات العلاقة خصّصت من إعلامها وبرامجها لتشجيع وترغيب الناس على إقامة زواجات ميسرة مختصرة.
رابعًا: الرجُلُ صاحب حكمة وعقل، وهو كريم، سمح، يُفكّر ويضع الأمور في نصابها، وإذا تأمّل تلك المبالغ التي كان سيضعها في القصر وتكاليف القصر والضيافة والعشاء وما يلحق بها، علم أن توفير تلك المبالغ ستعود بالنفع على الزوج والزوجة، فلو بُذل للأم وللزوجة إرضاءً لهما في مقابل هدية أو نحوها..
خامسًا: لنتذكّر أننا مسؤولون “كلكم مسؤول وكلكم راع.. والرجل راع في أهله، وهو مسئول عن رعيته” وأن الزوجة الصالحة والأم المباركة هي شريكة في الحياة السعيدة، وهي ركن في بناء المجتمع، ومسؤولية الرجل والمرأة عظيمة في جمع المجتمع وإصلاحه، والعمل على إسعاده..فبالتعاون تتقارب وجهات النظر، وبالإيثار تتوحّد الكلمة، وتغُلّب المصالح المشتركة؛ ليسعد الزوجان والأسرتان، ويصلح المجتمع، وتُبنى الأسر الجديدة على ترابط وتراحم وتعاون..
والحوار والنقاش الهادف والإقناع وسائل تغيّر القناعات حول بعض الممارسات، ومتى ما أُفعمت الأسر بأساليب تربوية تحترم الطرفين؛ كشريكي حياة، ومربين، وآباء وأمهات.. فإن التغيير المطلوب سيتحقق، ونحن نرى بعضه اليوم..
وإني لأرجو أن تسهم الجهات الحكومية والأهلية في هذا الأمر، وتشجّعه، وتعين على تيسير أموره، بكل ما تستطيع، ولو بالقليل.

وأخيرًا، غدًا أيها الزوج ستصبح أبًا، وستصبحين أيتها الزوجة أُمًّا، وستُزوّجون ولدًا.. فكما تحبون التيسير لأولادكم فأحِبُّوه لأنفسكم ولمجتمعكم.. فاليوم أنتم، وغدًا هم.. حفظكم الله وبارك فيكم، وأسعدكم.

————
@aboabdalela

Related Articles

3 Comments

  1. حصلت حالات زواج ميسر في عدد لابأس به وهذا يرجع لثقافة اهل الزوج والزوجة وهذا الزواج المبارك

  2. رائع يا دكتور يحيى… مقال يلامس موضوع في غاية الأهمية ويترتب عليه صلاح بناءا الأسرة التي هي لبنة المجتمع.. وفقك الله لكل خير

  3. صحيح يادكتور ان أزمة كورونا جائحة وارهقت العالم بأسره ولكنها صححت الكثير من الثقافات المجتمعية وخصوصا كما تحدثت انت في مقالك الرائع
    فغالباً تكاليف الزواج ترهق العرسان بما لم ينزل الله به من سلطان نسأل الله أن يكون تصحيح المسار في الايام القادمة وتعمم ثقافة الزواج الميسر دون المبالغة التي لا طائل منها إلا تكبد الديون

    تقبل مروري وخالص تحياتي
    جمعان البشيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button