يقول أحدهم موصيًّا ابنه “استمتع بالمنعطفات الصغيرة إلى أقصى حد، فهناك حتمًا ستجد الأشياء الأهم مما تريد”.
قبل سنة من الآن، كنت أسير في طريق أراها وعرة وشاقة، أحث الخطى تارة ثم يتملكني التعب فأسير ببطء؛ حتى أستعيد نشاطي لأعود إلى حث الخطى من جديد، وبعد أن قطعت أكثر من نصف المسافة وبلغ مني الجهد والإرهاق مبلغه، توقفت قليلًا لأرتاح، ثم نظرت خلفي لأرى ما تجاوزت وكم من المسافة قطعت، ليجذبني مشهدٌ جميلٌ التقطته عدسة الذاكرة؛ حيث كان على صورة طريق منحنية تكسوها الأعشاب الخضراء من جانب، والأحجار من جانب آخر، وعلى جنباتها عدد من الأشجار الراوية الخضراء المنتهية بتلك الشجرة العظيمة المجردة من الأوراق التي توحي بموتها منذ وقت طويل؛ لتنتهي الصورة بذلك الجبل الشامخ المائل لألوان الخريف الصفراء.
استوقفني هذا المشهد قليلًا، وأدركت حينها كم كانت تلك المنعطفات التي قطعتها بذلك الجمال الذي لم أكن أشاهده، وأنا في ظل سرعتي وعيناي تنظران فقط إلى نهاية الطريق، فهناك لحظات تستحق أن تتوقف فيها قليلًا وتنظر إلى الوراء لكي ترى جمال الطريق الذي قطعته وأنت لا تدرك ذلك.
أهدافنا التي نسعى لتحقيقها في حياتنا هي نهاية الطريق الوعرة، وما نواجهه من فرص هي تلك المنعطفات الجميلة التي نغفل عنها أو نتجاوزها دون أن ندرك أهميّتها، من المهم أن يحدّد الإنسان أهدافه مسبقًا ويسعى لتحقيقها، بل يُجاهد ويُكافح بغية الوصول إليها، ولكن في نفس الوقت يجب عليه أن يستثمر ما يواجهه من فرص جانبية ومنعطفات يمر بها قد توصله سريعًا لما يريد، أو قد تحيله عن مساره، ولكنها تحقق له الأفضل مما كان يريد، فكم من الفرص والمنعطفات الجميلة التي تواجهنا ولا نلقي لها بالًا لأن جل ما نريده هو الوصول للنهاية، وقد تصنع لنا هذه الفرص لو استثمرناها نهايات أهم وأفضل مما نسعى إليه.