بعد إعلان مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي مبادرة جديدة لإنهاء الصراع في ليبيا، ووقف الاقتتال لقى هذا الإعلان ترحيبًا دوليًّا، وعربيًّا بالإضافة إلى ترحيب الشعب الليبي الشقيق الذي ينتظر حلًا حقيقيًّا لوقف نزيف الدماء في ليبيا، وإنهاء الاستعمار التركي لليبيا بعد أن جاء المحتل التركي من أجل سرقة ثروات ليبيا؛ بالإضافة إلى محاولاته المستمرة التمدد في دول الجوار الليبي في ظل سعي من أردوغان للسيطرة على القارة الأفريقية بما فيها دول شمال أفريقيا.
المبادرة المصرية (إعلان القاهرة) جاءت استكمالًا لما تم من جهود دولية سابقة سواء في أبوظبي وباريس وباليرمو وبرلين؛ ولذلك عندما أعلنت مصر عن المبادرة لاقت ترحيبًا دوليًّا؛ لأنها لم تهدم ما قبل هذا الإعلان بل وضعت خريطة طريق حقيقية لإنهاء الأزمة الليبية، وهي تتضمن حوار “ليبي _ليبي” برعاية الأمم المتحدة، ووقف إطلاق النار، والتزام الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي بطرد المرتزقة من ليبيا، وتفكيك المليشيات، وتسليم السلاح إلى الجيش، والالتزام بتشكيل المؤسسات الوطنية في ليبيا من خلال مجمع انتخابي تحت إشراف من الأمم المتحدة يختار المجلس الرئاسي، ويختار لجنة لوضع دستور جديد للبلاد، وهذا ما يحلم به اليوم كل ليبي عانى من الحرب والدماء بسبب الصراع غير المبرر في ليبيا، والذي جاء نتيجة تدخلات خارجية في ليبيا أدت إلى إطالة أمد الصراع، ومازال التدخل التركي يهدد أي حل سياسي في ليبيا في ظل اصرار من أردوغان على دعم السراج والذي يعتبر وجوده غير دستوري، ولايحظى بقبول الشعب الليبي، وهو سبب التدخل الخارجي اليوم في ليبيا، وعلى رأسه التدخل التركي الذي يسعى إلى سرقة ثروات ليبيا لأن أردوغان يعتبر ليبيا إرث اجداده، وأن هذه الثروات من نفط وغاز ملكًا لتركيا، ولاحق للشعب الليبي فيها.
إعلان القاهرة ينهي أحلام أردوغان في ليبيا، والمنطقة، وهذا الإعلان بمثابة صفعة على وجه المحتل التركي الإرهابي الذي أرتكب جرائم في حق الشعوب العربية، ومصر بهذا الإعلان توحد الجهود الدولية من أجل إنهاء الصراع في ليبيا، وأيضًا وقف أطماع أردوغان في ليبيا من خلال تصدي المجتمع الدولي له، وطرد المرتزقة الذين أرسلهم إلى ليبيا لقتل الشعب الليبي لكن الإعلان سوف يقضي على الحلول العسكرية، ويرسخ ضرورة الحل السياسي برعاية أممية، وبمشاركة كل الليبيين.
مصر تعمل مع الأشقاء في ليبيا من أجل الحفاظ على وحدة، وسيادة ليبيا خاصة أن مصر لها حدود مع ليبيا تصل إلى أكثر من ١٢٠٠ كم، وهي تعتبر أن أمن مصر من أمن، واستقرار ليبيا لكنها ترفض التدخل في شؤون الأشقاء الليبيين، وترى أن الحل لابد أن يكون “ليبي _ليبي”، وهناك إجماع عربي باستثناء قطر حول الرؤية المصرية، وجميع الدول العربية ترفض أي وجود تركي، وتندد بالتدخلات التركية، وتونس كان لها موقف واضح منذ أيام أعلنه الرئيس التونسي قيس سعيد أن تونس لن تكون خلفية لأي دولة تسعى للتدخل في ليبيا، وأنه متمسك بسيادة تونس كتمسكه بسيادة ليبيا، وهذا ردًا على محاولات أردوغان استغلال تونس من خلال الإخواني راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي الذي تجاوز كل صلاحياته بتواصله المستمر مع أردوغان، وهذا ماجعل الرئيس التونسي يعلن موقف تونس لقطع الطريق على أردوغان، وإفشال مخططه الخبيث لإقحام تونس في الأزمة الليبية. لكن تونس تتمسك بالحياد، وترى أن الحل يجب أن يكون “ليبي _ليبي”، وهذا يتوافق مع الرؤية المصرية.
تركيا سوف تحاول إفشال إعلان القاهرة، وهي تنقل كل يوم عدد كبير من المرتزقة إلى ليبيا، وقامت خلال الأسبوعين الماضيين بنقل أكثر من عشرة آلاف مرتزق من خلال جسر جوي من إسطنبول إلى مصراته، وهذا رصده موقع إيطالي متخصص في مراقبة الطائرات العسكرية، والسفن، والذي كشف عن قيام تركيا بنقل المرتزقة، والأسلحة من خلال جسر جوي، وأرسلت تركيا ١٣ رحلة خلال الأسبوعين الماضيين، وهذا أيضًا كشفت عنه مواقع إعلامية روسية أكدت وجود جسر جوي من الطائرات العسكرية التركية التي تقوم بنقل المرتزقة، والأسلحة إلى ليبيا، وتقوم بإطفاء أجهزة الاستقبال، والإرسال حتى لاينكشف أمرها.
مصر تحاول وقف نقل المرتزقة إلى ليبيا، وقامت بعمل اتصالات، ومشاورات مع الدول الأوروبية من أجل توضيح خطورة هذا الأمر على الأمن القومي المصري، وأيضًا على الأزمة الليبية، وتعمل على إنجاح وقف إطلاق النار في ليبيا من أجل استكمال المسار السياسي، وإعادة الأمن، والاستقرار إلى ليبيا.
ترحيب دول كبرى مثل الولايات المتحدة، وروسيا، ودول الاتحاد الأوروبي، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، وعدد من الدول الأخرى بالاضافة إلى الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والبرلمان العربي يكتب شهادة جديدة في حق مصر، وجهودها للحفاظ على الأمن القومي العربي بالاضافة إلى عودة مصر إلى سابق عهدها في حل الأزمات في العالم العربي، وسوف تكون القاهرة شاهدة على إنهاء الصراع في ليبيا، ووقف الأطماع التركية، والقضاء على أي تدخل يسعى لهدم الدول العربية، وسرقة مقدراتها، وثرواتها، وهدم وحدتها، وسيادتها.
وسوف تظل مصر هي الضمانة الحقيقية لأمن، واستقرار المنطقة بالتعاون مع أشقائها العرب، ولايجب أن ننسى الموقف التاريخي، والمشرف منذ ثلاث سنوات لدول الرباعي العربي عندما قاطعت إمارة الإرهاب، والشر التي تدعم الجماعات الإرهابية، وتدعم أجندة أردوغان الخبيثة لهدم الدول العربية، ونشر الفوضى، والإرهاب فيها، وهي التي تدفع فاتورة استعمار أردوغان لليبيا، وتدعم شراء الأسلحة التي يقتل بها المرتزقة الشعب الليبي الشقيق، ومازالت قطر تقف موقف التأمر والخيانة، وتطعن أشقاءها، وسوف تعمل من أجل إفشال إعلان القاهرة لأنها لاتريد استقرار الدول العربية، وتسعى إلى تفتيتها.
الأمم المتحدة مسؤولة اليوم عن ضرورة وقف إطلاق النار في ليبيا، وإدارة العملية السياسية، ولابد أن تكون على قدر المسؤولية، وتتعلم من أخطائها السابقة في ليبيا، وهي سوف تشرف على المجمع الانتخابي الذي سوف يشكل من مجلس النواب، وشيوخ القبائل، ونسبة معقولة من المرأة، والشباب لضمان نزاهة أختيار أعضاء المجلس الرئاسي الليبي، والذي سوف يختار الحكومة، وهذا المجلس سوف يمثل الأقاليم الثلاثة في ليبيا وهي طرابلس _برقة _فزان بالاضافة إلى أن المجمع الانتخابي سوف يختار لجنة لوضع الدستور الجديد للبلاد مع تعديل الإعلان الدستوري الحالي بشكل مؤقت، وسوف يكون هناك فترة انتقالية تصل إلى ١٨ شهرًا قابلة للزيادة بحد أقصى ٦ أشهر أخرى.
إعلان القاهرة الفرصة الأخيرة لإنهاء الأزمة في ليبيا، والمجتمع الدولي سوف يكون مسؤولًا عن إنجاح المبادرة المصرية، ولابديل عن الحل السياسي، وقبول هذه المبادرة بكل بنودها دون وضع عراقيل أمام تنفيذها هو طوق النجاة لليبيا، والشعب الليبي الشقيق.
—————
محلل سياسي – مصر