المقالات

مِنْ وحي مظاهرات أمريكا

ف-نار

ماذا لو..؟

ماذا لو أن الشرطي الأمريكي الذي قتل المواطن جورج فلويد على خلفية عنصرية كان على يقين بأن هناك قانونًا سيحاسبه، وسيقبع في السجن لسنوات طويلة تذهب بشبابه، وسيخسر وظيفته وخدمته، وسيوَثَّق في سجّله الشّخصي أنّه مُفَرِّط بشرف المهنة، وشرف المواطنة، وشرف إنسانيّته، فهل بعد كلّ هذا سيقدم على ما أقدم عليه؟
وماذا لو أن ضمير أحد الشرطة الأربعة المحيطين بـفلويد استيقظ فجأة، فهل كان باستطاعته منع الكارثة فيُخلّص الضّحية، ويُنقذها من موت محقّق، وعندئذ سيثبت للعالم أنّ ما يُشاع حول العنصرية المتفشية في الشرطة الأمريكية ضد الملونين؛ وخصوصًا الأفارقة منهم أمر مبالغ فيه؟ أمْ أّنّهم سينهالون عليه ضربًا وركلًا حتى يبعدوه عن مسرح الجريمة؟ وما مصيره إنْ فعلوا؟ هل سيُخلّد في ذاكرة أحرار العالم كأيقونة ناصعة للشرف الوطني والإنساني؟
وماذا لو أنّ قانون الحقوق المدنية الذي اقترحه الرئيس جون كيندي وشرّعه في يونيو 1963م -قبيل اغتياله- لم تُلغِه المحكمة العليا في أمريكا وجرى العمل به إلى يومنا هذا، فهل سيقف الرئيس ترامب هذا الموقف المُخزي من إهدار حقوق مواطني بلده الذين يُعَدُّون من البناة الحقيقيين لأمريكا الحديثة؟
وماذا لو أن ترامب لمْ يُبدِ موقفه الحقيقي من التمييز العنصري الذي عُرف به -في هذه الحادثة على الأقل- وغلّب مصلحة أمريكا على مصالحه الشخصية، وأوعز إلى المحكمة في مونيابوليس أمْرَ اعتقال القاتل وزملائه الأربعة الذي شاركوه فعلته لتأخذ العدالة مجراها، فهل ستُصدق الجموع الغاضبة رئيسهم وأنّه استخدم سلطته؛ كي يحمي حياتهم وحقوقهم بلا تمييز ولم يسمح بإهانة أحدهم أو مصادرة حقّه في الحياة فيُطفئ الشرارة؟ خصوصًا، وأنّ الشعوب في الأغلب تُحسن الظن في زعمائها عندما يخاطبون وجدانهم، وإنْ لم يفعلوا وإنْ لم يَصدقوا.
وقفة1: إنّ المساواة بين الناس لا تتأتّى من قانون بالقوة يُفرض، ولا بسلطة تُشّرع أو حاكمٍ يهدد ويتوعد، لأن القانون كثيرًا ما يُضيّعه الناس فتضيع معه الحقوق، وتمسي يدُهم وسيلتهم وسلاحهم لانتزاعها، فتعمُّ الفوضى ويُقتل الأبرياء وينجو المجرمون، وينشغل الناس عن السعي الشريف في حياتهم، وتتعطل المصالح وتنتشر الجرائم وتتبعها الرذائل، لكنّ المساواة هي قيمة أخلاقية نبيلة يُربى عليها الفرد منذ طفولته، وتَعني أنّك إذا رأيتَ في نفسك ما تظنه ميّزة ليست في الآخر فلا يعني ذلك أنّه أقلّ منك، وغلّب ظنك بأنّ لابد أنّ لديه ميّزات ليست عندك، وبهذا الفهم ينشأ الفرد على احترام المختلف عنه، وتتلاشى العنصرية، وسيكون المجتمع محصّنًا ضدّ التمييز، بل وسيناهضه بكلّ أشكاله وعناوينه، ولقد منّ الله علينا بهذا الدِّين الذي يساوي بين النّاس فلا فرق بينهم ولا تفاضل إلّا بالتقوى والعمل الصالح.
وقفة2: ها هي ثورة التمييز العنصري في أمريكا تشتعل، ويشتدّ أوارها وهي ليست إلّا امتدادًا لثورات سبقتها وربما كانت أشدّ منها، وقد تولى قيادتها في ذلك الحين زعماء وطنيون أحرار، ولكنّ المختلف في ثورة اليوم أنّ منْ يقودها جموع من الشباب الحُرّ المتعطش للعدالة؛ ولسوف يطيح بجلاميد الظلم والطغيان إنْ عاجلًا أو آجلًا، ولن يضيع حق وراءه مُطالب.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button