هناك من الناس من تتجاوز مصيبة فقد عزيز لديه قدرته على التحمل، وتجعله في حالة انعدام وزن. ولولا الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ولولا التسليم بقضائه وقدره، لفقد الإنسان عقله وفضَّل مغادرة الحياة على عدم البقاء فيها لحظة واحدة!
وأنا العبد الفقير إلى الله، من هؤلاء الناس الذين تصيبهم حالة شبيهة بالجنون -لولا رحمة الله- عند فقدهم الآباء، أو الأمهات، أو الإخوة، أو الأبناء، أو قلة قليلة من الأصدقاء الأوفياء والنادرين.
عندما توفي أخي وصديقي رفيق العمر الدكتور عبد العزيز النهاري منذ بضعة أيام، أصابتني حالة من الذهول بالرغم من الظروف الصحية الصعبة التي مرت به -رحمه الله- في الفترة الأخيرة، وهي ظروف وصفها أولاده وحرمه في الآونة الاخيرة بأنها فوق احتمال البشر، ومع ذلك كان يواجهها بقوة الإيمان وبمزيد من الصبر، وبالتخفيف من مخاوفنا عليه.
لكن في النهاية ذهب إلى رب رحيم، وذلك ما يعزينا فيه ويجعله حاضرًا معنا وداخل عقولنا وشرايين قلوبنا، إلى أن يختار الله لنا ما يراه ويقدِّره لنا وعلينا والحمد لله.
ولست هنا بحاجة إلى سرد قصة حياة هذا الإنسان، كما أنني لست هنا بحاجة إلى الحديث عن روابط أسرية عميقة جمعتني به وبأهله على مدى الخمسين عامًا الماضية، وإنما أنا هنا بصدد الحديث عن “الأكاديمي” و”الزميل” ورفيق رحلة الدراسة منذ بداية البكالوريوس في أول قسم للمكتبات والوثائق ينشأ، ليس فقط في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وإنما في المملكة بشكل عام، وحصلنا مع (٣) من الزملاء على المؤهل مع مرتبة الشرف الأولى ومن ثم البعثة إلى أمريكا.
وبحكم تميزه الدراسي؛ فقد حصل الدكتور النهاري على درجة الدكتوراة في تخصصه، وتحديدًا بالتركيز على المكتبات الوطنية. عاد إلى المملكة وانتظم في عضوية هيئة التدريس إلى جوار عمالقة هذا التخصص، وفي مقدمتهم أستاذ الجميع الدكتور عباس طاشكندي -أطال الله في عمره- وإلى جوار زملاء متميزين.
وبالرغم من انغماسه في العمل الإعلامي، من صحافة وإذاعة وتليفزيون -رحمه الله- إلا أن شخصية الأكاديمي والباحث كانت طاغية على حياته، فأقبل الطلاب والطالبات على الالتحاق بمواده والتسجيل فيها والتواصل معه بصورة ملفتة؛ لِما كان يملكه من قدرة على العرض وبساطة في الشرح، وبما كان يجده من قبول كبير لدى طلابه وطالباته.
وكثيرًا ما كان يفكر في الانقطاع عن العمل الأكاديمي الذي وجد نفسه فيه، ووجد فيه قبولًا كبيرًا عند طلابه وطالباته، إلا إنني كنت أحاول إقناعه بعدم ترك العمل الإعلامي، لا سيما وأن قدراته كانت تتميز بالتنوع والشمول، وهو المسار الذي اخترته لحياتي وشاركني فيه خلال رحلة العمر وحقق فيها نجاحات كبيرة.
وعندما أركز على هذا الجانب؛ فلأن مئات الاتصالات التي تلقيتها، أو التغريدات التي عبر فيها كاتبوها عن بالغ حزنهم لوفاته، أكدت لي أن من يترك مثل هذا الرصيد العظيم من البشر بعد وفاته، يترحمون عليه، ويدعون له ويبكونه عن حب ويذكرونه بكل خير؛ لِما وجدوه فيه من علم وخُلق وحُسن تعامل ساهم في أن أصبح الكثيرون منهم في مواقع مسؤولية متقدمة، جنبًا إلى جنب مع زملائه وتلامذته ممن عملوا معه في قطاعات الإعلام المختلفة.
هذه الثروة العظيمة، وهذا الرصيد الكبير من التلاميذ والرفاق والمحبين، هو الذي ضاعف ويضاعف حزننا جميعًا، ولكنه يُريح نفوس أهله وذويه ومن رافقوه وعرفوه عن قرب.
لقد خففت مشاعر الآلاف علينا من قوة الصدمة؛ لأننا شعرنا بأن عبد العزيز النهاري لم يمُت بما تركه من سيرة حسنة في نفوس الجميع، وسوف تظل بإذنه تعالى وقودًا لنا ومصدرًا للتحمل والعيش على ذكراه ما حيينا.
رحمك الله أيها العزيز رحمة الأبرار وأسكنك واسع جناته، والحمد لله رب العالمين.
جميل ما سردته دكتور هاشم عبده هاشم عبر تلك الفلاشات المضيئة من حياة الدكتور عبدالعزيز النهاري رحمه الله ..
أكثر من أكاديمي وإعلامي يذكرونه بالخير ويذكرون مناقبة الإعلامية والأكاديمية فهنيئاً له..
رحل وخلّف أرثٍ عظيم ما أن يذكر إلاّ ويذكر معه الدكتور عبدالعزيز النهاري رحمه الله
سيبقى حياً في قلوب كل من عرفه وصاحبه وفي قلوب طلابه وما تركه من أثر في قلوبهم.!
تقبل مروري جمعان البشيري