المقالاتعبدالرزاق سليمان العوفي

هبوط الفن بضياع قيمته

الفن كالرجل، إن ظهرت شخصيته وكان بارعًا، وتفوّق في تقديم نفسه أنتج، وصار مؤثرًا له قيمته ومكانته، وقدّم ما يمكن تقديمه من رسالة مميزة ذات هدف سيادي، وبكاريزما فنية مؤثرة وصناعة متفوقة.
وحين تضيع شخصية الفن، فكالرجل الذي ضاعت شخصيته، لا يحسن صنع نفسه، فكيف بالتأثير في غيره، وكيف له أن يقدم ما يليق به كرسالة أو هدف، فالضعف صفته، وقلة التأثير سمته، ولا يمكنه تطوير نفسه.
وكما أن الفن لون أدبي فيجب على من وجد نفسه في دائرة الفن أن يلتزم بحدود الأدب، ويطور نفسه أدبيًّا لينتج أدبًا، فكل إناء بما فيه ينضح، وكل صناعة لا تخرج عن دائرة المادة الخام المعدة للصناعة.

الفنان الذي لم يُصنع بعد وإن قدّم نفسه، وأنتج فنًا فسيكون فنه خاوٍ على عروشه، مهتك ومهلهل ركيك، لا يقوى على مقاومة الرياح العاتية، وتقلب الأزمان، فالضعيف يسقط مع أصغر وعكة صحية، فلا هو من يقاومها، ولا هو من يبتعد عنها وينجو.
ما نراه اليوم لا يخرج عن كونه مستوردًا، ضَعُفَ وهزل في مراحل استيراده، وأصابه الوهن بانتقاله من بيئة إلى بيئة، فوصل بعد مراحل كثيرة من التعب، فصار شكلًا فقط، هيكله يوحي بالفخامة، ومن داخله الخور والهزال والضعف.
تم استيراد الفن كصورة فقط، فالهدف لا يعنينا، والرسالة لا تصلح لمجتمعنا، ولا لبيئتنا؛ ولأن الفنان لم يَصنع نفسه أولًا فلم يتمكّن من صناعة هدف أدبي، ورسالة أدبية، لنقول للعالم هذا نتاجنا الأدبي.

نعم هناك نتاج أدبي يستحق الإشادة، لكن الأبواب الإعلامية أغلقت دونه، وفتحت الأبواب مصراعيها على الفن الضعيف الهزيل، فضعف الذوق، وانحط الفن، ونزل المتلقي متنازلًا عن بعض قوانين التحكيم ليرى ما يناسبه، وما زال الفن الضعيف يهبط، والمتلقي ينزل بذوقه لعله يجد فنًا يروق له، فلا هو من بقي في مكانه متمسكًا بأصالة الأدب وقوة الفن، ولا هو من وجد فنًا يليق به ويحترم شخصيته.
الأندية الأدبية تقدم أدبًا بين جدرانها، وفي حدود مبانيها، فلا القنوات والإعلام تستقبل ما ينتج داخل أروقتها، ولا ما يطرح فيها من نقد وذوق وحس أدبي، في مقابل فتح القنوات أبوابها على مصراعيها لمن يقدم شكلًا مهلهلًا لا يحمل المعاني السامية، ولا يحترم أذواق المتلقين، ولا يصنع ذوقًا أدبيًّا يليق بصاحبه ومتلقيه.

في الدائرة الأدبية الفنية خلل، ويجب إصلاحه، فالأدب مرآة العصور، تشاهد منها الصورة المتخيلة لعصور مضت، وبهذا الفن الركيك لن تصل صورة حقيقية عن هذا الجيل للأجيال القادمة، فضعف الفن يمنحه عمرًا أقصر، وجسمًا أهزل، وسيزول في زمن قصير.
إلا أن الآداب ذات القيمة العالية، وإن تفاوت مذاق المتلقين حولها، فعمرها طويل، وصورتها باقية، وأهدافها محل قبول أو مناقشة من المتلقين، وليس لها محارب حتى ممن لم يؤيدها.
وبهذا المستوى من الأدب رأينا صورة حياة العصور السابقة من مختلف الأمم، فلنصنع أدبًا يليق بمجتمعنا، ونقدم من خلاله صورتنا لمن سيقرأ عنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. صدقت استاذي الكريم عبدالرزاق
    أغلب مايقدم على انه فن في أيامنا هذه خالي تماما من الذائقة الفنية إلاً ما رحم الله
    اين نحن من الفن كثقافة وادب وتربية ورسالة سامية
    أين نحن من الفن لمناقشة قضايا مجتمعية مازالت شائكة
    أين نحن من الفن في القضايا السياسية باعتبار الفن سياسة في مواجهة قوة تأثير الصورة فأهمية الثقافة السياسية للفنان باعتباره إنسان لديه فن يقدمه ينافح به كالرسام والشاعر وغيره من الفنانين فيتفاعل مع الثقافة السياسية السائدة في المجتمع والعوامل المحلية والدولية والمتغيرات وتطور الايدولوجيات الكبرى في الغرب خاصة وانعكاسات هذه التطورات على منطقتنا العربية
    تقبل مروري وخالص تحياتي
    جمعان البشيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى