عندما بلغني وفاة أستاذي في المرحلة المتوسطة الدكتور فهد بن جابر الحارثي مدير التعليم الأسبق بالباحة – يرحمه الله – صبيحة يوم الجمعة السادس عشر من شهر ربيع الثاني 1441هـ بالتأكيد آلمني الخبر ونزل كالصاعقة ليس لأن الموت لن يغيبنا عن بعضنا فلكل منا أجله المسمّى عنده قال تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) ولكن تذكرت هذا المعلم الإداري الصديق الخلوق الذي غرس في ذاكرتي حبّ اللغة العربية وفنونها وبالرغم من تباعد التواصل بيننا بين الفينة والأخرى وإن تباعدت المسافات وطالت المدة يظل له مكانته في قلبي كما في قلوب طلابه وزملاء العمل معه في الباحة لعدة اعتبارات وعلى رأسها أنّني كنت أحد طلابه ابتداء من عام 1387هـ بعد المرحلة الإبتدائية مباشرة بمتوسطة التوفيق بالظفير التي كانت الوحيدة ربما في وقتها في محيط الباحة وضواحيها في غامد وزهران وكان نعم المعلم المتواضع صاحب الخُلُق الكريم مع طلابه وكان المعلم القدوة مع زملائه من المعلمين سعوديين وأجانب عرب ومع إدارة المدرسة بقيادة عبدالرحمن بن سعدي أحد رواد التعليم من الظفير يسانده الأساتذة علي الجيلاني وسعيد بن ضاوي وسعيد بن حامد – يرحمهم الله – جميعاً وكان الفقيد الدكتور فهد – يرحمه الله – له طريقته المميزة في شرح دروس اللغة العربية وحرصه على ضرورة جمال الخط لأنه كان يكتب بخط جميل على السبورة كان دائما ما يؤكد على عدم الخطأ في الإملاء بالذات ويحرص على تقديم الفصحى على اللهجة العامية في التحدث داخل الصف من خلال دروس القواعد وإعراب الجمل ولذلك أجزم بأن من تعلم على يديه في تلك المرحلة يتمتعون بميزة الكتابة الخالية من الأخطاء الإملائية والنحوية بفعل تطبيقهم لما تعلموه في ذلك السنّ المبكّر ومعظمهم أصبحوا قادة في العمل التعليمي أو العمل الحكومي من أبناء غامد وزهران إذ كنا نقطع مسافة تقارب العشرين كيلا يوميا ذهابا بعد الفجر وعودة بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب سيراً على الأقدام في ظروف قاسية من قلة ذات اليد ووعورة الطرق وقسوة الشتاء وشبه انعدام للملابس الشتوية.
نعود فنتذكر أبا أحمد – يرحمه الله – الذي عاد في أوائل التسعينات تقريباً بعد أن تم تعيينه مديراً للتعليم بعد سلفه صبحي الحارثي وقتها قد بدأ معهد المعلمين يخرج معلمين بعضهم انتقل من الثانوية بالظفير ليقتصر على ما دون التعليم الجامعي الذي كان محصورا خارج الباحة بين الوسطى والغربية وعاد للباحة بعد تخرجه ليحظى بالعمل معه وهو مدير للتعليم فكان ومساعده الأستاذ سعد الحارثي نعم من عمل في تعليم المنطقة في تكاتف وجهود يسايرها أخلاق الرجال الذين كانوا يعملون في صمت ويحقّقون نجاحات على مستوى الوطن ولعل تلك الاحتفالات والمهرجانات التي كانت تقام في المنطقة والنشاط المدرسي المميز وتفوق نشاط المسرح في المدارس وإقامة المسابقات هي سمة تلك السنوات الجميلة التي جمع فيها بين المقرر وتفعيل المنهج الذي يلازم التعليم داخل الفصول وخارجها وكان كثيراً ما يتفقد المدارس بنفسه ويحقق احتياجات الطلاب والمعلمين ومديري المدارس حيث كان يعمل معه مسؤولون من المنطقة منهم من مات – يرحمه الله – ومنهم من هو على قيد الحياة متعهم الله بالصحة وحسن الختام وكانوا يعملون معه بإخلاص لأنه كان يعمل لمصلحة المنطقة واستمر فيها مدّة ليست بالقصيرة ثم تسلّمها منه خلفه عبد العزيز البطين بعد أن وضع الحارثي أسس التعليم القوي والنشاط الطلابي المتنوع داخل المدرسة وعلى مستوى المنطقة وأجزم بأن الفقيد كان على علاقة كبيرة مع طلابه الذين تتلمذوا على يديه في متوسطة التوفيق بالظفير الذين تخرّج معظمهم من معهد المعلمين وأصبحوا معلمين تحت إدارته وأن كلّ من عمل معه في الإدارة كانوا أصحابه وأصدقائه الذين تواصلوا معه عشرات السنين محبة وتقديرا متبادلا بينه وبينهم.
رحمك الله أبا أحمد وأسكنك فسيح جنّته ورفع منزلتك إلى الفردوس الأعلى من الجنة وكما يقال من خلّف لم يمت فأنت خلّفت رجالا نحسبهم ونعدّهم من الأخيار كلٌّ في مجال عمله الوطني الذي رفعوا به رأسك الشامخ وأنت حيّ واليوم يشار لك من خلالهم بالبنان وإن كنّا لم نعلم وقتها بمرضك ولم تتحقق لنا زيارتك إلا أنّني كأقل واجب جئت من الباحة وشاركت في الصلاة على جثمانك الطاهر في الحرم المكي وتقديم واجب العزاء لأبنائك وأقاربك وتشييع جثمانك إلى ضيافة رب العالمين في بلده الأمين جعل الله كل ما قدمت في موازين حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون وعوض أهلك ومحبيك في فقدك خيرا وجمعنا بك في مستقر رحمته ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون .
احسنت ابا احمد في هذا المقال عن الصديق العزيز والمربي القدير د/ فهد الحارثي رحمه الله واسكنه فسيح جناته ويعلم الله باننا نحبه وشعرنا بفقده وجاءت مقالتك لتثير الوجدان لرجل غير عادي اجتمعت القلوب على حبه ودمعت العيون لفقده فرحمه الله ورحم من عمل معه واجزل لهم العطاء لقاء ماقدموه للوطن سيذكره التاريخ وشكراً لك اخي عبدالله على الوفاء لاستاذك ولمهنة التعليم وفقك الله ومتعك بالعافيه ليستمر قلمك ناطقاً بكل جميل والله الهادي الى سواء السبيل
كم أنت وفي أخي عبد الله غريب لأحبابك ومعارفك ؟ استمتعنا هذين اليومين بقصيدة رثاء منك في الشيخ سعد المليص يرحمه الله وقصائد أخرى في قبيلتك وفي قرية قرن ظبي تسطر بأحرف من ذهب واليوم ترثي صديق الجميع فعلاً كما عنونت مقالك في صحيفتنا الغراء مكة الإلكترونية د. فهد الحارثي فجزاك الله خير ما تكتب وما تقول وثق بأن لك محبين كثر يعرفون شخصك اللطيف خفيف الظل المحب للناس الوفي مع الجميع متعك الله بالصحة والعافية أبا أحمد .