الكرم هو البذل والعطاء دون منة أو أذى، والله هو الكريم الأكرم الذي قال في مقامه العزيز:(خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5))، والعلم الذي علمه الله للإنسان من أجود الكرم الذي تفضل الله به على عباده، ولولا هذا العلم لظل الإنسان تائهًا لا يعلم لماذا هو موجود ؟ وأين سيؤول؟، وقد يظن الإنسان أن الكرم خاص ببذل المال فقط، وهو حكر على الأغنياء دون الفقراء، وهذا ظن خاطئ؛ حيث إن السماحة كرم، والصفح كرم، وكظم الغيظ كرم، والإيثار كرم، والإيواء كرم، كما جاء في قصة يوسف عليه السلام قول العزيز لامرأته: (أكرمي مثواه)، وللكرم فضائل كثيرة أهمها: أنه ساتر لكل العيوب، كما قال الشاعر:
يغطى بالسماحة كل عيب،
وكم عيب يغطيه السخاء.
والإنسان وزير كان أم غفيرًا غنيًّا أم فقيرًا تقواه وكرمه وحسن
أخلاقه هو الرافع لمكانته والجامع لمحبة الله والناس أجمعين، كما جاء في الحديث القدسي: (إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال ياجبريل إني أحب فلان فاحببه، فيحبه جبريل، وينادي جبريل ياأهل السماء إن الله يحب فلان فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يكتب له القبول في الأرض) . وذكر الكرم وأهله سجلته كتب التاريخ في مواطن كثيرة، وكان أعظمهم سخاء الأنبياء – صلوات الله عليهم أجمعين- فهم الذين كرسوا حياتهم لتعليم وهداية البشر لعبادة الله الواحد القهار، كما أن التاريخ روى لنا من رواد الكرم حاتم الطائي الذي قالت له ابنته ماوي ذات يوم: يا أبت ذهب المال ولم يبقَ شيء، وذلك من فرط عطائه وسخاء ضيافته، فرد عليها:
أماوي أن المال غاد وذاهب
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
وهذا الكرم الذي توسم به حاتم كان سببًا في عتق رقاب قومه بعد ذلك في عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم – الذي قال في كرمه: “إن أباها كان يحب مكارم الاخلاق “، ودار الثقافة والضيافة التي أود الحديث عنها هي دار الشيخ محمد صالح باشراحيل -رحمه الله – مقر المنتدى الثقافي الشهير بمكة المكرمة الذي يشرفان عليه الدكتور عبدالله، والمهندس تركي -حفظهما الله-، فالحديث عن كرمهما وحسن أخلاقهما في إدارة هذا المنتدى ساحله طويل، فقد قدما للبلاد والعباد خدمات جليلة من خلال استضافتهما لأهل العلم بمختلف تخصصاتهم لإلقاء المحاضرات المتنوعة فيه، مع مشاركة الحاضرين في المنتدى للسجالات والحوارات النقدية الرائعة التي نعتسل من رحيقها المختوم أطيب المشارب الثقافية، كل ذلك مع كرم وتواضع لا مثيل لهما من الشقيقين في دارهم التي ينطبق عليها قول الشاعر :
فنعم الدار أنت لكل ضيف
إذا ما ضاق بالضيف المكان؛
إضافة إلى ذلك ما يقومان به في نهاية كل لقاء في المنتدى من تكريم لأصحاب الفضل والأيادي البيضاء على المجتع، ثم تختم كل أمسية بطعام عشاء تكريمًا للجميع، أكرمهما الله، وزاد فضلهما، وكتب لهما ولوالدهما الأجر والثواب، وأخلفهما خيرًا مما أنفقاه على هذا المنتدى الذى عشنا في واحته امتع الليالي الفكرية، وملأنا من بنكه الثقافي خزائننا المعرفية، ولي في هذا المقام وقفة تكريمية بسيطة عرفانا مني بفضلهما، وأقول لهما:
يأيها الشيخان طاب مساكما
وطابت على مد العطاء يدان
يا أيها الشيخان إن أقبلتما
فاح العبير كوردة البستان