المقالات

إن لم تدعم المعاق لا تقف ضده

في الغالب قد يواجه اي مخلوق معوقات أثناء محطات الحياة وتختلف بأختلاف الزمان والمكان حتى من يشار لهم بأنهم ممن ولد وبفمه ملعقة من ذهب كما يقال.

أيضآ تختلف المعوقات بأختلاف ظروفها فعندما نقرأ حياة بعض البؤساء في بعض الدول المتقدمه فقد يجدهم أهل أقطار اخرى بانهم مرفهين بمقارنة الظروف فيما بينهم..!!

قبل نصف قرن كان أحد زملائي المقربين لي بقريتي وهو يكبرني ببضع سنوات درس الابتدائية هو وشقيقه الذي يصغره بعام.

درس الشقيقان بقرية تبعد قرابة اثنين كم تقريبآ عن قريتنا يتم التوجه للمدرسه يوميآ مشيآ بالأقدام كما هو الحال لجميع الطلاب من القرى المجاوره ويعتبر طلاب قريتنا محظوظين بالنسبة لقرى تبعد اكثر من سبعة كم بمجموع اكثر من أربعة عشره كم ذهاب واياب.

في المنتصف الثاني من المرحلة الابتدائية تعرض زميلي لمرض ألم به فجأة ونال منه كثيرآ وللأسف لم تكن لدينا مستشفيات ولا حتى مراكز صحيه الا في مدينة أبها البعيده عن قرأنا بطرق ترابيه صعبه والسيارات نادره جدآ وذات اليد معدومه.

إمكانيات المستشفيات كانت ضعيفة جدآ وقاصرة التخصصات.

بعد معاناة دامت أشهر وممارسة الموفور من بعض العلاجات الشعبيه كانت بمجرد تجارب أن لم تنفع فالموت أقرب.

تماثل زميلي للشفاء الا ان المرض خلف له إعاقة سمعيه مستديمه فأصبح لا يسمع اطلاقآ..!!

من مصادفات الأبتلاء العجيبة والحزينه جدآ تعرض والده في نفس العام رحمه الله لظروف صحيه وهو يعمل في السلك العسكري بمدينة جده نتج عنها إصابة الأب بالعمى التام..!!

هناك وقعت مصيبتين لعامود الأسره الأب المكلوم ومساعده الأبن الأكبر الآخر من يفترض أن يكون العامل الأهم في البناء والأمل المقصود..!

لن أحدثكم عن صبر ذلك الأب الشامخ وأسرته الكريمه وتقبلهم الأمر بكل الرضى له ولأبنه الأكبر فذلك يحتاج لروايه طويله تجف عندها الأشجار وتحزن تحتها الأحجار.

أعود للأبن الذي يحدثني فيما بعد فيقول تلك السنة ضاقت علينا الأرض بما رحبت فوالدي تعثر في وسط شبابه بفقد عينيه وأنا لم أعد اسمع ومهما اوتينا من صبر بالقضاء والقدر اوصملة بأن نكون أهل همه إلا أننا نبقى بشر نتألم بما يحدث لنا أمام مصاعب الحياة وعثراتها وضربتان في الرأس تكاد أن تقتل..!!

يضيف محدثي بقوله اتممت المرحلة الابتدائية انا وشقيقي ولا أنسى فضله عليء فقد كان لي نعم الأخ الداعم والمترجم باحتراف فيما بيني وبين المعلمين وفي كل ما يصعب علي.
وبالرغم انني واجهت كثير من المعوقات في لجنة الاختبارات النهائية للمرحلة الابتدائية حيث قال بعض المثبطين في اللجنه كيف يختبر هذا وهو أصم ناسين أن العقل ليس له علاقة بحاسة السمع.

استطاع أحدهم بعد قهري من الكثير منهم أن يتخذ قرار فردي مزاجي لحظي بالسماح لي بأداء الامتحانات ونجحت بتفوق ولله الحمد..!!

يقول بعدها حاولت الالتحاق بالمرحلة المتوسطه في أبها الا انني وجد نفس المعاناة انه من غير الممكن أن يدرس وهو أصم وقد يكون ذلك اجتهادآ ممن يحاول إيجاد العوائق وليس وفقآ لشروط وزارة التعليم آنذاك.

حرمت قهرآ وبدون وجه حق أو منطق من المواصلة مع زملائي وعد لبيتي مهزومآ أمام تعسفهم..!!

أشار احد أعيان قريتنا لوالدي بأن هناك معهد للصم والبكم في الرياض واقتنع والدي بالفكره ورحبت بها انا لعلي اواصل تعليمي..

سافرت مع صاحب الرأي كونه يعمل بالرياض وهو مجتهد رحمه الله واستكملنا إجراءات التسجيل وتم القبول الا أنني تفاجأت في المعهد باصحاب اعاقات مختلفه ومتعدده ومبتدئين في التعليم وفهمهم متدني بالنسبة لحصيلتي وفيهم كبار سن وصغار فوجد نفسي في المكان الخطأ فهم لا يحسنون التعامل معي ويتعدون عليء بألفاظ غريبه لا افهمها ويأخذون حتى مكاني وبعض زادي.

ارتفع سقف همي وتبخر حلم طموحي بدعم المعهد لي..!!

قضيت معهم في المعهد اسبوع اشبه بعام كامل لأني كنت بعيدآ عن المألوف وانتظر بفارغ صبر نهاية الأسبوع ليحضر من أشار لوالدي بهذا المعهد وطلبت منه فورآ العوده لقريتي فهذا المعهد لا يناسبني اطلاقآ.

غضب مني وأردف بكلمات مؤلمه لأنه في مكان الأب لكنه لا يعلم بما يجري لي في المعهد من مضايقات وعدم انسجام.
عد لقريتي وبقيت ارعي الغنم لمدة عام كامل.

في العام التالي جاء الفرج بفتح مدرسة متوسطة بنفس الابتدائية إلتي تخرجنا منها.

تقدمت مع زملائي الذين فرحو بوجود مدرسة متوسطه لدينا الا انني عانيت الأمرين ممن قال لا يمكن قبوله وهو أصم فراجعت مع والدي وانا ادله الطريق في تشعبات إدارة التعليم حتى حصلت على موافقة من رجل كان موظف شهم اجتهد وأمر بالقبول ولا أنسى له ذلك مدى الحياة وسأظل أدعو له مدى الحياة فقد قال بكل بساطه دعوه يدرس مع أخيه.

مرت ثلاث سنوات جميلات أعادة البسمة و ان كنت لا أنسى حينما يتغافلني اخي فيستاذن بعض الايام للحصة الأخيره وعندما لا أجده في الفصل ابكي لعلمي أنه سيأخذ نصيبي من الخبز والشاي وهو الوفر الوحيد والطعام الشهي اللذيذ..!!

بدأ الهم من جديد وبدأت معاناتي في القبول للمرحلة الثانوية بمدينه أبها بنفس الموال الأول الا انه اكثر تعقيدآ بحكم ان المرحله أعلى وتؤهل للجامعه. إلا أن للخير أهله فقد أمر نفس الشخص الذي وافق على دراستي بالمتوسطة بتوجيه خطي لمدير ثانوية أبها الأولى بالموافقة طالما لا زال اخوه معه.

بدأنا الدراسة ولم يستمر شقيقي للمواصلة معي الإ عام واحد فقد تقدم للعسكريه للعمل بها لظروفنا الصعبه ولعدم وجود دخل يدعمنا بالحد الأدنى على الأقل.

أكملت المرحلة الثانوية بقسمها العلمي وتخرجت نهاية التسعينات الهجرية وكانت فرحة العمر.

كنت شغوفآ بمواصلة الدراسة الجامعية لكن آثار وتراكمات المعوقات المختلقه في مراحلي الدراسيه السابقة تركت لدي اثرآ يشبه الفوبيا ممن يتفنن في إيجاد المعوقات.

وهناك سبب آخر ايضآ مهم وهو الحاجة للعمل لعدم وجود داعم مادي يفي بالغرض.

بفضل الله عملت في إحدى فروع الوزارات بأبها واستمريت قرابة سته وثلاثون عامآ كانت مليئة بالجد والاجتهاد حصلت فيها على كثير من الشهادات والمكافآت التحفيزية ووصلت مديرآ لأحد الفروع بوظيفة من الوظائف العليا حتى تم تقاعدي مؤخرآ قبل بضع سنوات وقد أصبح لدي أسرة واحفاد ولله الحمد من قبل ومن بعد..

هنا أود ان أضيف عن الأب رحمه الله الذي كان يتمتع بذكاء ودهاء وحنكه فكان ملح قريتنا في حديثه في المجالس بصوته الجهوري والمسامره ويحفظ الكثير من الشعر والقصص والموروث الجميل.
كان يتمتع بأبتسامه لا تفارقه والرضى يملأ وجهه. كلف بالكثير من مهام القريه وأهمها جمع موارد جمعياتهم وتوزيع مهامها في مواقف الدعم وتدوير البيوت المعنية باستقبال ضيوف القرية بالعدل والانصاف..!!

ذلك هو مؤذن جامع قريتي لمدة نصف قرن أو تزيد الذي لا زال صوته يتردد كلما سمعنا الاذآن بجامع القرية وأبنه هو أخي/ محمد أحمد سلطان الهوايلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى