حين اعتدت إجابتها لكل ما أطلب، واستمرأت القبول المطلق لكل ما أريد ناديتها، وأنا على قبرها ولبرهة ظننت أنها ستجيب فالاعتياد داء من يعتاد.
كنت أنا حين كانت فلما أفلت لم أعد كما كنت ولن أكون يومًا أنا، فكيف تريدني كذلك وقد تباعدت أطرافي، وتمزقت تلك الروح، وقد علمتَ أن الروح كيان لا يقبل التقسيم، وأما وقد حصل فلا تكلفني شططًا في الاجتماع، ولا ترهقني من أمري عسرًا.
يتجاذب الحب أرواح العشاق، وتترأى نجومه لدى من يعيشه، وتقتحم أصوات نواقيسه معابدهم فهل يكون الحب بتلك القدسية لكل متمرد في سراديب تلك الأشواق؟
لو ملكت سلطة على تلك المصطلحات لما جعلت الحب في غير أهله، ولما أطلقته في غير معدنه ولحرّمت المراضع أن تستقي منه إلا من امتلك شرطه، وحقق معانيه، وأول تلك المعاني هي الحب المطلق.
ولا يكون كذلك إلا إذا انعدم الثمن ووهب دون طلب، وانتفى سقفه، واحتمل الزيادة دون احتمال النقص، واكتسب صفة الديمومة بلا جهد، وزد على هذا سماوية المنبع وصلة الأرض بالسماء وهل سيكون هذا كله في غير حب (الأم)
لا تحدثني عن الحب في غير ساحتها، ولا تتفرس وجوه العشاق مادامت ليست أصلًا في ذلك العشق. أمي وينقطع الكلام
لم تكذب قط إلا حين نسألها كيف حالك؟ وكل مرة تكذب مع ذات السؤال لكي تقول أنا بخير.
ولم أثق في الطب إلا حين قال لن تعيش أمك إلا عامًا وقد صدق بأمر الله.
فوالله ما زاد على العام يوم ولا نقص عنه ساعة، وربما من مصادفات القدر أن تتوافق ساعة قول الطبيب لذلك وساعة وفاتها. فكانت موافقة في الساعات فضلًا عن الأيام،
عام كامل لم يخرم يومًا بين أولى تلك الجلسات، وبين مفارقة هذه الدنيا.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
لن أحدثكم عن المواقف فهي كفيلة بإخراجها من الطبيعة البشرية إلى سماوية متفردة؛ فقد بلغت بالحب والجود ما تنوء به كيانات الأمهات، ولن أحدثكم عن ذلك العمر الذي تمنيت أن أعيشه مضاعفًا مع تلك الروح لأقترب من الأرواح البيضاء ليس إلا.
أمي
وينقطع الكلام
والصمت عمّ
وبحّ صوتي
وافتقرتُ ولا ملام
أمي
وأفتقد السلام
ومن يغذيني سلامًا بعدها ؟
واستملَكَ القلب الحطام
أمي
وينقطع الكلام
ولا كلام وقد توشحني الأسى
وهل الأسى إلا ابتعادك في المقام
كنتِ هنا وأنا هنا
والروح غذّاها الهنا
وسمَوتُ فيكِ تفننًا، وعلوتُ معكِ تحننًا، وأنا هنا
أ فهل يموت القول أو يفنى الكلام
أمي
وينعدم البيان
وفي سواك تراتلي باتت حرام
أمي وينقطع الكلام، وليس يصمد في وجودك لو تعالى، واستقام
أمي، وتملكني دموعي حين أنزع عن حروفي بعض تعتيم اللثام
امي
وينقطع الكلام وهل سيجرؤ أن يماثلني الصدام
ذهب الأمان ولم يسد
غاب الحنان ولن يعد
ريح الجنان إلى الأبد
أمي وينقطع الكلام
وتنقضي عني السهام
عام عليها قد قضى
وعلى دموعي قد قضى
والحمد يصبغ بالقضا
لكن روحي قد تملكها سهام من سهام
امي أراك لي الوطن
وطن ولا يبغي ثمن
لكن تصريح النهاية راسمًا ذاك الختام
أمي وداعًا قبل أن أشقى
وينقطع الكلام.
ربما سيكون ولكن سينقطع عمّا سواها؛ ليُستدام فيها، ويترعرع على جنباتها، ويقف بين يديها.
فما ينبغي لها لا يكون لغيرها وهكذا ترى السماء وليس أنا.
رحمك الله يا أمي، ورحم الله كل، وسمٍ دلَّ على الأم في أرض الله.
———-
ryalhariri