المقالات

بلد شهادات ولا مهارات؟

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر توقيع الرئيس الأمريكي على قرار يوجه فيه الحكومة الفيدرالية باستبدال ممارسات التوظيف بناء على الشهادات إلى التوظيف بناءً على المهارات.
وبذلك سيبدأ عهد توظيف جديد بمعايير جديدة تعتمد فيها على مهارات الأفراد، وقد أصبحت الشهادة العلمية ليست المقياس الأساسي لسوق العمل، فهناك أعمال كثيرة يمارسها أصحابها من ذوي الشهادات الجامعية، ولكنهم يكتفون بالشهادة، ويفتقدون للمهارة.
صحيح أن القرار يخص التوظيف في أمريكا، ويخص الوظائف الفيدرالية لديهم، ولكنه خطوة نحو التغيير، فالعالم يتأثر بالقرارات الأمريكية، وعالم الإدارة أيضًا يتاثر بالقرارات الأمريكية، والأوروبية، واليابانية.
عندما شاهدت الفيديو الشهير لترامب وهو يوقع على القرار ويقول: “لم يعد مهم من أي جامعة” حتى تذكرت مقولة عادل إمام الشهيرة (بلد شهادات بصحيح) التي قالها في مسرحية عرضت عام 1964م.
ولكن دعونا نفكر في القرار وكأنه سيطبق لدينا، فالقطاعات الحكومية لدينا مترهلة بأصحاب الشهادات الذين اعتبروا حصولهم على الشهادة هو الرابح الأكبر.

لو طبّق القرار يجب إعادة النظر في معايير التوظيف الحكومي التي تحدد المؤهل كعنصر أساسي، بحيث تعيد صياغة شروط التوظيف، وتبدأ من ناحيتها بتحديد المهارات المطلوبة لكل وظيفة وليس لمجموعة وظائف، وضع آليات لقياس المهارات لدى الأفراد المتقدمين للوظائف، وضع برامج تدريبية لتنمية المهارات أو الجدارات بناء على الوظيفة المستهدفة، إعادة بناء سلم الرواتب والبدلات ومعايير التسكين عليه.

هذا ما يجب أن يحدث إلا أن هذا لا ينفي أهمية الشهادة الجامعية، فمن وجهة نظري وإن لم يكن من وجهة نظر ترامب، فللقرار معنى مبطن وهو أن الطالب الجامعي لا بد أن يطور مهاراته، ولا يكتفي بالشهادة. وأعتقد أن هذا المفهوم حاولت الجامعات تعزيزه من خلال إنشاء الأندية الطلابية والمشاركة في المشاريع المختلفة والبرامج التطوعية، والتي تهدف إلى إبراز مهارات الطلاب وتطويرها.

ويجب أن نعي أن بالتعليم ترتقي الأمم والتعليم هو المحطة الأولى للأفراد، المحطة التي إذا ما جهزت بمعايير وإستراتيجيات مواكبة للأجيال واحتياجاتهم واحتياجات سوق العمل متى ما أخرجت أسطول من الصناع والمفكرين والمبتكرين القادرين على التطوير.

الموضوع ببساطة أن التوظيف كان يرتكز أولًا على الشهادة الجامعية وثانيًّا الخبرة فثالثًا المهارات، وأصبح مع هذا القرار يرتكز على المهارة أولًا ثم الخبرة ثم الشهادة. مع ملاحظة أن هناك وظائف لا بد فيها من الدراسة والتخصص والإجازة (الترخيص) لتكون ممارستها مشروعة.
إن هذا القرار ليس معناه أن يلغي التعلم كشهادة جامعية ونكتفي بالمهارات، فنحن إذا اعتقدنا ذلك فإننا سنساهم في خلق جيل يفتقد إلى المعايير الأساسية التي تشكل التعاملات مع الآخرين ونضج في التفكير. إذ إننا من خلال الدراسة الجامعية نوسع مجتمعنا، ونعمل مع فرق عمل نكتشف فيها أنفسنا وننتج منتجنا الأولي،

إنما هو توجه نحو تعزيز المهارات والتخصص الدقيق الذي يساعد على تنمية المهارات إما بالدورات التدريبية أو الشهادات التخصصية.
وهو قرار فيه مسؤولية مشتركة فهو لا يعنى إقصاء التعليم، بل يحمل الأفراد مسؤولية عظيمة وهي اكتشاف مهاراتهم وتنميتها وتطويرها، كما يحمل قطاع التعليم مسؤولية إعادة النظر بشكل مستمر في آليات واستراتيجيات التعليم لمواكبة الاحتياجات ليس الحالية وإنما المستقبلية. وهو يجعل الجميع مسؤولًا، وعليه مسؤوليات:
1- على التعليم الجامعي مواكبة احتياج السوق وانشاء تخصصات تتناسب واحتياج المستقبل، ولنا في أكاديمية مسك مثال جيد فمخرجات الأكاديمية في مجال تقنية المعلومات يتهافت عليه أصحاب الشركات، ذلك أن مخرجاتها متميزة وكأكاديمية لا تقبل بأنصاف الحلول.
2- يجب التركيز على التعليم الموجه والذي يبدأ في مراحل تعليمية مبكرة. وهو إن تمكنا من تنفيذه حتى لو على نطاق ضيق سنلاحظ تغييرًا في المخرجات.
3- على المراكز التدريبية عبء ومسئولية كبيرة تبدأ من انتقاء البرنامج التدريبي إلى انتقاء المادة التعليمية، وثم المدرب القادر على تمكين الأفراد بطريقة إبداعية.
4- ستظهر أهمية الشهادات التخصصية التي ستعطي للمهارات الدقيقة صيغة رسمية في التطور المستقبلي، وتميز صاحبها في المجال.
5- على مراكز التقييم المهني تجديد نشاطها وتواجدها أكثر فلدينا عدد قليل ومحدود جدًّا من المراكز، ومعظمها يعتمد على تشغيل تراخيص عالمية لا تواكب احتياج الجهات الحكومية والخاصة.
6- يقع على الأفراد مسؤولية كبيرة في اكتشاف مهاراتهم، وتطويرها، وخلق مهارات جديدة وتطويرها؛ وبذلك سيكون التطوير المستمر هو ديدن الحياة.
7- على جهات التوظيف استخدام أدوات لقياس مهارات المتقدمين، مع التأكد من تحديد المهارات بعناية أكثر في الأوصاف الوظيفية.
8- حتى العائلة الصغيرة (الوالد والوالدة) عليهم مسؤولية التعرف على مهارات أبنائهم منذ الصغر وتوجيهها.
الهدف أن ينتقل العالم من صاحب شهادة إلى صاحب مهارة.. ولكن من المهم أن لا يفقد التعليم أهميته فبالعلم كما قلنا ترتقي الأمم. وقد تنتهي مقولة عادل إمام (بلد شهادات بصحيح) لتصبح (بلد مهارات بصحيح). المهم أن لا ننخدع بالمعنى العام فنهمل التعليم؛ لنصبح مجتمع نصف متعلم.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button