خلق الله الإنسان، ومنحه العقل ليسخره لخدمته، ويستثمره للتكيف مع ظروف حياته المختلفة، فالمتأمل لصفحات التاريخ يجدها مليئة بأمثلة لا حصر لها من المبدعين، وإبداعاتهم المتنوعة التي استطاعوا من خلالها ليس فقط أن يتغلبوا على مصاعب الحياة وأن يروضوا الطبيعة أو يتكيفوا معها، بل وأن يقيموا الحضارات الإنسانية المختلفة التي تمثل علامات فارقة في تحقيق التقدم والرفاهية لبني البشر، ومع تطور الحياة وتغير الظروف البيئية تتزايد الاحتياجات البشرية، ويتعاظم دور المبدعين لتوفير كل ما من شأنه تحسين ظروف الحياة، وتحقيق التنمية والرقي المنشودين.
ومع الألفية الجديدة التي شهدت انفجارًا معرفيًّا، وفائضًا كميًّا في الإنتاج، وتطورًا في أدواته، وأضحى التنافس على أشده بين الأمم والشعوب والمنظمات، لحجز مقاعد لهم في القمة التي شعارها التميز والإبداع، وأدواته البحث عن العقول المبدعة واستقطابها، ومنحها المزايا والمغريات، وتوفير البيئة الإبداعية الجاذبة التي تحفز على التطوير وتحقيق متطلبات الجودة الشاملة، ولم تكن المؤسسات الإعلامية خارج هذه المعادلة، بل إنها تصنف من مصانع الإبداع، فالعملية الإنتاجية فيها تتطلب الإبداع المستمر، فيبيئة العمل الإبداعية، ومستوى القدرات الفردية الإبداعية؛ بالإضافة إلى تنمية وتحفيز الإبداع في المؤسسة الإعلامية.
“ولكي تستطيع المنظمات المعاصرة التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة وتوظيفها فإنها تحتاج إلى وجود قادة ومرؤوسين مبدعين لديهم الاستعداد والقدرة على التعامل مع التقنيات الحديثة، مما يسهم في زيادة إبداعهم، وينعكس كذلك على تطوير المؤسسات التي يعملون بها؛ حيث يساهم توظيف التكنولوجيا الحديثة إلى إحداث تغيرات إيجابية في الهياكل التنظيمية والإدارية في المؤسسات، كما يسهم في إعادة تنظيم خبرات وقدرات العاملين، ومن ثم زيادة الإبداع الذي يؤدي بدوره إلى تحقيق أهداف المؤسسات واستمرار نموها، فالإبداع في المنظمات والمؤسسات المختلفة لا يتأتى إلا من خلال وضعها لاستراتيجيات خاصة تراعي الظروف الداخلية والخارجية، وتتيح فرصًا كبيرة ومتنوعة للتعبير عن الأفكار والسماح بالتفكير المتجدد وغير التقليدي،وتشجيع العاملين على المشاركة الفعالة في حل مشكلات منظماتهم، بالإضافة إلى تخصيص الميزانيات اللازمة للإبداع، وتحفيز المبدعين”.
ولأننا جزء من هذا العالم، ولدينا رؤية طموحة قائمة على عدة مرتكزات رئيسة، الإعلام شريك في مراحلها كافة، فقد رسمت الأميرة الدكتورة موضي بنت عبدالله آل سعود برنامج عمل للمؤسسات الإعلامية الراغبة في البقاء والاستمرار عبر منتجها الأول المؤسسات الإعلامية وحتمية الإبداع في القرن الحادي والعشرين، والذي أكرمتني بنسخة منه.
قلت لصاحبي:
حينما تصبح مبدعًا لن ترى بعدها الأمور، كما يراها الأشخاص العاديون.