أحبتي:
قد كثرت خلافات الناس، وازدحمت المحاكم، واستطالت القضايا؛ فبعضها لا تحل إلا بعد ثلاث سنوات، وبعضها بعد خمس .. وبعض القضايا تأخذ عشرات السنين؛ مواعيد وجلسات ((قضايا قصاص وإرث وطلاق وديون وغيرها)) .. فتزداد فرقة الناس، ويكثر تباغضهم.
فهل من وسيلة للحد من تراكمها وطريقة لتفادي تفاقمها ؟
من وجهة نظري: أن هناك عنصرًا مفقودًا في بعض الأماكن اليوم؛ وخاصة المدن الكبيرة.. هذا العنصر كان يحل الكثير والكثير من هذه الإشكالات والقضايا.
ألا وهو الإصلاح بين الناس … فكم من قضية أنهيت، وكم من قلوب تآلفت، وكم من أسرة لم شملها، وكم من أقارب عادت صلة الرحم بينهم؛ بواسطة أناس موفقين، بذلوا أوقاتهم، وجاههم، ومالهم؛ في سبيل الإصلاح بين الناس .
قَالَ الله تَعَالَى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ..) وَقالَ تَعَالَى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ … )، وَقالَ تَعَالَى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ….)
وقال تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ …)
وقال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة وكثرة الصلاة ” يقصد النوافل،: قلنا بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين)، وفي حديث آخر قال: (أفضل الصدقة إصلاح ذات البين).
قال أنس -رضي الله عنه-: (من أصلح بين اثنين أعطـاه الله بكل كلمة عتق رقبة).
وقال الأوزاعي: ما خطوت خطوة أحب إلي من خطوة خطوتها في إصلاح ذات البين، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار.
فمن وفقه الله لهذه الوظيفة، وأعانه الله لهذه المهمة، فقد أصاب خيرًا كثيرًا.
معاشر القرّاء: إن القائمين على الإصلاح ليسوا متطفلين، وليسوا متدخلين في الخصوصيات، وليسوا ملاقيف، وليسوا طالبين للشهرة والمكانة والعلو؛ بل هم أناس أحبوا الخير للناس, وأرادوا ما عند الله، لا يريدون منا جزاءً ولا شكورًا ..
يتحملون أذى الناس؛ للإصلاح بينهم، ويتحملون الشتائم؛ من أجل تأليف القلوب وتقوية أصول المحبة.
فكم جادوا بأوقاتهم، وكم دفعوا من أموالهم، وكم بذلوا من جاههم، فلا أقل من انشراح صدورنا لهم، وفتح بيوتنا لأمثالهم، والدعاء لهم بالتوفيق والسداد، وتعزيز مكانتهم في النفوس، وذكرهم بالخير في المجالس، ودعم مسيرتهم في المجتمعات.
كم من بيتٍ كاد أن ينهدم؛ بسبب خلافات أسرية بين الزوجين؛ فإذا بهذا المصلح بكلمة طيبة، ونصيحة غالية، ومال مبذول؛ يعيد المياه إلى مجاريها، ويصلح بينهما.
كم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين، أو صديقين، أو قريبين؛ بسبب زلة أو هفوة، وإذ بهذا المصلح؛ يذيب تلك الخلافات، فتقارب الأرواح وتهدأ النفوس.
كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال وفتن ونزغات شيطان؛ كادت أن تشتعل، لولا فضل الله ثم تدخل المصلحون.
فهنيئـًا لمـن وفقـه الله للإصلاح بين الناس.