د. محمد هنديه

تعبت الأرجل يا أباحنيفة

أبو حنيفة له مقولة مشهورة :”آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه”، والقصة كان ابوحنيفة يمد رجله أمام طلابه في حلقة العلم، ويستأذنهم في ذلك لألم في ركبته، فلما قدم عليه رجل على مظهره الوقار.
قعص أبو حنيفة رجله إلى الخلف وتربع وقارًا له، فسأله الرجل دون استئذان، وقال: أريد أن أسألك سؤالًا، قال أبو حنيفة تفضل، قال الرجل: متى يفطر الصائم ؟ قال له: حينما تغيب الشمس، قال السائل، وإذا لم تغرب الشمس ذلك اليوم، حينها قال أبو حنيفة مقولته المشهورة؛ ومد رجله ردًّا على مستوى علمه وثقافته، وأنه لا يختلف عن مستوى طلابه إن لم يكن أقل. بالله عليكم كم موقف يمر على الإنسان كموقف أبي حنيفة من بعض الأشخاص أجسام البغال وأحلام العصافير الذين نوقرهم في بداية الأمر وحين نستمع لهم نجد افئدتهم هواء، ومنطقهم رغاء كرغاء البكر، أنا حين أشاهد هذا النوع في التلفزيون أو على اليوتيوب أتربع لهم وأضم رجلي في بداية الأمر وقارًا لمظهرهم، وحينما أستمع لطرحهم أمد رجلي مرة أخرى، وأبقى في مد وجزر لرجلي كلما أعجبت بمنطق شخص أو نفرت من طرح شخص آخر، هذا في البيت فقط، فما بالكم إذا تجهزنا جهاز عريس وذهبنا إلى محاضرة أو ندوة أو ملتقى دعينا إليها ووجدنا قومًا يتصدرون المشهد، وليس في جعبتهم شيء يضيفونه لمعارفنا، أين سنمد أرجلنا تيمنًا بأبي حنيفة ونحن نجلس على الكراسي ؟ طبعًا لا يمكن احترامًا للحاضرين، ونظل بدلًا من ذلك نتلفت يمنة ويسرى، ونتثاوب، وننظر إلى الساعة، ونحرك أجسادنا من الملل، لعل المتصدر يلاحظ ذلك وينهي الحديث، أما أنا الفقير إلى الله حينما أصدم من المتحدث خاوي العلم وعديم الفائدة، أذهب إلى البيت جائع الفكر والبطن ولا أنتظر عشاء الدعوة، وأقول في نفسي ما بال القوم يصدرون في منابرهم حديثي العهد بالعلم والثقافة لا لشيء إلا أن لهم متابعين كثر في مواقع التواصل الاجتماعي ! هل تغيرت المعايير؟ وأصبح المعيار الجديد كثرة المتابعين لأحلام العصافير، أين الفحول؟ هل قضى زمانهم لقلة المتابعين لهم ؟ للأسف هذا هو الواقع؛ اذا ما العمل؟ هل تترجل القامات العالية في العلم الثقافة من مقاماتها وتساير الواقع – طبعًا مستحيل – أم اننا نأمل من المنابر الإعلامية أن تعود إلى صوابها وتنزل الناس منازلهم – لا أعتقد ذلك – وبعد تفكير عميق قلت في نفسي: مالي وتصرف أبو حنيفة مع أهل زمانه ممن يعجبه مظهره ولا يروق له منطقه.

أنا اليوم في حل من مقولته وتقلد تصرفه، والله لا أضم رجلي ولا أمدها نافرًا أو معجبًا من شخص اعتلى منبرًا أكبر من مقامه بعد اليوم، وأجلس على المدرج وأتفرج، هذا بعد أن حل بي ما حل بأبي حنيفة من إصابة في غضروف الركبة أقعدني ثلاثة أشهر في البيت، وليس لي حيلة بعد الآن إلا أن أبث حزني وأشكو إلى الله منابر الزمن الحاضر التي أدارت ظهرها للفحول وصدرت التحوت.

وختامًا أقول لبعض منابر الفخار الإعلامية والثقافية التي تحمل ثقافة البلا ستيك، الفخار مصيره الكسر من أول هزة، والبلاستيك يلقى ومكانه معروف، وأرجو من القراء الأعزاء أن لايمدوا أرجلهم بعد هذا المقال أو يضموها كي لايصاب أحدهم بداء أبي حنيفة.

————

استاذ الاعلام اادولي

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button