المقالات

حنكة تأليف الوزارات

وقفات

كانت الإنقاذ سخية في التوزير، وتشكيل الحكومات باستقطاب رموز حزبية توفر غطاء التنوع الحزبي والجهوي، وتظهر قدرًا من المشاركة”الشكلية” في الحكم مما خلق نوعًا من التوسع المفرط والترهل في جهاز الدولة، فقد قدمت الإنقاذ في بداية عهدها تشكيلات وزارية بوجوه حزبية وتكنوقراط من غير المحسوبين على الجبهة الإسلامية القومية أمثال عبدالله محمد أحمد (حزب الأمة)، د.حسين سليمان أبو صالح (اتحادي ديمقراطي)، بروفيسور علي شمو (مايوي)، وعلي سحلول (تكنوقراط)، وكان نقيب المحامين محمد زيادة حمور (اتحادي ديمقراطي) من الداعمين للإنقاذ، كما تمت إتاحة الفرصة لعدد من اللبراليين والشيوعيين أمثال عبدالعزيز شدو، وعبدالباسط سبدرات وغيرهم بالمشاركة في حكومات الإنقاذ.
ثم أظهر التفاهم مع الراحل الشريف زين العابدين الهندي الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي وجوهًا جديدة أمثال د. جلال يوسف الدقير، ود. أحمد بلال عثمان، والسماني الوسيلة السماني، ود. مضوي الترابي وبمشاركة حزب الأمة تولى السيد/ مبارك الفاضل المهدي منصب مساعد رئيس الجمهورية واستوزر كل من د. الصادق الهادي المهدي، والزهاوي إبراهيم مالك، وأحمد بابكر نهار، وعبدالله علي مسار. وإثر توقيع سلام نيفاشا شاركت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة أعتى أعداء الإنقاذ الراحل د. جون قرنق وخليفته سلفاكير ميارديت في اقتسام السلطة والثروة، ولمع نجم ثابيتا بطرس، ود. لام أكول، ودينق ألور، وباقان أموم، وغيرهم من وزراء الحركة الشعبية أمثال د. محمد يوسف مصطفى، وبقي ياسر عرمان ورفاقه بقطاع الشمال بالمجلس الوطني وفي حكومات الولايات كل من مالك عقار، وعبدالعزيز الحلو.
وبتوقيع اتفاقية القاهرة تولى الفريق أول/عبدالرحمن سعيد وزارة التقانة وحصل كل من علي السيد، والراحل فاروق أبوعيسى، والراحلة فاطمة أحمد إبراهيم، وسليمان حامد، وصالح محمود عثمان ورفاقهم على نسبة 14% من مقاعد بالبرلمان، وجاءت اتفاقية سلام الشرق بموسى محمد أحمد، ومبروك مبارك سليم، ود. آمنة ضرار، وبعد أن تم توقيع اتفاقية الدوحة تقدم د. التجاني السيسي، وبحر إدريس أبوقردة، وغيرهم من حركات دارفور المسلحة بعد مغادرة مني أركو مناوي لصفوف المعارضة، واحتفظ كل من محمد الحسن الميرغني، وعبدالرحمن الصادق المهدي بمنصب مساعد رئيس الجمهورية، فكل مكونات قحت الحالية شاركت في الإنقاذ بنسخها المتعددة.

وعندما صعدت أحزاب قحت رافعة شعارات الديمقراطية التعددية وحرية الرأي والفكر والتعبير إلى السلطة لم نجد غير لونية يسارية واحدة تحتكر المشهد وتتفرد بالحكم وترمي مخالفيها بتهم “الهبوط الناعم” والتنسيق مع “الكيزان” تجار الدين، ولم يسلم السيد/ الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار من السب والشتم والنقد اللاذع، واغتيال الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد اتّخاذ حزبه لمواقف لا تروق لليساريين أصحاب الحق الحصري في الثورة “وهبوطها الخشن”!!، ودونكم ما يحدث من صراع داخل تجمع المهنيين الآن، فليس مسموحًا لأي صوت غير الصوت اليساري المتطرف بالتعبير عن نفسه أو الإسهام في تحقيق أهداف الثورة حتى الجبهة الثورية المنضوية في تحالف نداء السودان أحد أهم تكتلات قحت لاحظ لها بالمشاركة إلا عبر مفاوضات مع ملوك السودان الجدد الذين تولوا أمره دون انتخابات وبلا تفويض شعبي!!
ويبدو أن الإنقاذ كانت أكثر حنكة في التفاوض وإدارة ملفات الدولة، بينما جاءت قحت مثقلة بأيديولوجيا اليسار في الاستحواذ على الثورة وتصفية الخصوم!!.
أمام رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك سانحة لنفض يده من قيود مستشاريه “مرافيد الحزب الشيوعي” والانعتاق من أسر قحت، وذلك بتكوين حكومة “تكنوقراط” رشيقة من المستقلين تمامًا عن الانتماء الحزبي، بحسب ما جاء في البند ثانيًّا من إعلان قوى الحرية والتغيير الموقع في 1/1/2019م، الذي نص على: (تشكيل حكومة انتقالية قومية من كفاءات وطنية بتوافق جميع أطياف الشعب السوداني…)، وكذلك تعيين ولاة مدنيين من أهل الخبرة والكفاية والاقتدار على إحداث فارق كبير في النهضة بمعاش الناس وتلبية احتياجات المواطنين، وإن بقي رئيس الوزراء يراوح مكانه دون اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وحسم ملفات السلام والأمن والاقتصاد، فإن الانقلاب على الديمقراطية قادم لا محالة، وحينها ستتحمل قحت وحدها أوزار التفريط في الثورة والمدنية بتقديمها المصلحة الحزبية على الأجندة الوطنية ولا مجال للمواءمة بينهما بأية حال.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button