قرأت ذات مرة مقولة تفيد بأن من يدرس للآخرين يتحلّى بالحكمة، ولكن من يدرس نفسه يكتسب التنوير، وبين دراسة الآخرين ورؤية نفسي لم أستطع بعد أن أعرف ماهية المطالب العراقية، ولم أتمكن من دراسة الفكر العراقي الذي يتغير بتغير الأنظمة.
اطلعت علينا الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي بخبر مفاده اعتبار يوم الرابع عشر من تموز عطلة رسمية، استوقفتني نفسي عن سبب هذه العطلة وتاريخها، وتذكرت أنها لا تحمل سوى يوم أسود في تاريخ العراق بأكمله.
كيف لك أن تجعل هذا اليوم عطلة رسمية؛ وكأنك تباهي العالم بمنجز هو لم يحمل سوى صورة بشعة لتاريخ أسود في العراق الحديث.
صباح يوم الرابع عشر من تموز من عام ١٩٥٨م ودع العراق صورته المشرقة التي عرفها العالم عنه بعد أن قام مجموعة من الضباط بقتل العائلة الملكية الهاشمية بأكملها، أطاحت بفيصل الثاني وولي العهد عبدالإله، ورئيس الوزراء نوري سعيد.
أكثر من ستين عامًا تغير فيها نظام الحكم في العراق من الملكي إلى الجمهوري، لكنه لم يحمل بين جنباته سوى شعارات رنانة أزهقت أرواح الآلاف من أبناء العراق.
يوم الرابع عشر من تموز بدأت منه حكايات القتل والسلب والنهب، واستمرت حتى يومنا هذا، غيرت مفاهيم الحكم في العراق، وجعلت سفك الدماء أسلوبًا متبعًا حتى باتت مدن العراق من يومها معركة ساحة الدم.
لا أعرف لماذا يحتفل البعض هنا بهذه الذكرى، وهي لا تدل إلا على غدر وجبن بعد قتل ملوك صنعوا تاريخًا للبلاد؛ حيث أشعل عبد الكريم قاسم النار في صدور وقلوب الشباب، وأشعل الأرض وقلبها على رأسهم حتى أطاحت بأجيال وأجيال.
فترة الحكم الملكي في العراق بداية لحضارة القرن العشرين وباتفاق الجميع؛ حيث البرامج الإصلاحية للتنمية البشرية والبناء والإعمار بعد أن غادرنا الحكم العثماني، وترك ظلماته في مدننا.
لا يحق لكم أن تفرحوا وتهللوا بهذا اليوم الذي كان نقطة فارقة في تاريخ العراق الحديث، وهو يودع فيه حقبة زمنية، كان الجميع فيها يعيش زهو الملوك، ومن الممكن إنجازها بكلمة واحدة وهو الإنجاز.
فترة الحكم الملكي التي يأمل الكثير منا أن تعود، رغم أننا لم نواكبها، لكنها كانت بكل المعايير ووفق ما تحدث لنا به الأجداد قبل الكتاب أنها كانت تحمل هدفًا لكل ما يأتي به الملوك من فعل، فعلى الرغم من عزلتهم ككيان متسامي الروحانية إلا أنهم كانوا شديدي الفعالية، وكل عمل قاموا به يدل على أن حياتهم لها هدف، وأن عليهم واجبًا يجب تأديته.
أين نحن الآن من فترة حكم الملوك، أين نحن من تاريخ عريق يحمل عبقًا وإرثًا تحق للأجيال أن تتباهى به ؟!
صح لسانك أيها الكاتبة الرائعة