إيران منزعجة من تبخر كل جهودها التي سخرتها في المنطقة منذ الثورة الخمينية 1979 التي أتى بها الغرب لتدشين مرحلة جديدة في المنطقة لوقف أي نهوض إسلامي سني عربي يستعيد أمجاده التاريخية، خصوصًا وأن الدين الإسلامي يأمر أتباعه بالنهوض وينهاهم عن الركون، لكن الغرب أراد أن يخلق حروبًا مذهبية في المنطقة على غرار الحروب المذهبية في القرون الوسطى في أوروبا، كذلك يستنسخ الغرب نموذج الدولة العثمانية التي كانت سببًا في تأخر العرب لخمسة قرون.
على غرار ذلك تشكل تحالف صهيوفارسي مشترك في الحرب على العراق عام 2003 ولم يكتفِ هذا التحالف، بل أراد ضم إليه المحور السني عبر تشكيل محور المقاومة والممانعة، ودعم المليشيات الشيعية والسنية التي تقود إلى سلطات متعددة في داخل الوطن الواحد مثل حماس الموازية لسلطة فتح وكذلك حزب الله الدولة داخل الدولة في لبنان، ويودون تطبيق نفس النموذج في اليمن وسوريا وليبيا، وقد ينجح هذا المشروع في تونس، والكويت، والأردن، والمغرب، والجزائر مستقبلًا.
بعد كل تلك التضحيات والتحالفات تستغرب إيران من أن الدبلوماسية السعودية استطاعت أن تجعل مصالحها تلتقي مع المصالح العالمية وخصوصًا مع الولايات المتحدة، بل أصبح لها ثقل دولي، وتقود عددًا من الملفات العالمية ومن بينها ملف الطاقة، وليس فقط الولايات المتحدة، فنجد أن بوتين بعد اتفاق آستانة بين الأطراف الثلاثة روسيا وإيران وتركيا حول سوريا قال إذا لم تشترك السعودية في هذا الاتفاق فلن تكون له شرعية، لكن السعودية رفضت المشاركة حتى لا تعطي لإيران وتركيا شرعية لهما في سوريا.
تجربة العقوبات لن تسقط النظام الإيراني، لكن تضعفه وتجعله يتآكل ويعجز عن دعم وكلائه الولائيين في المنطقة فنجد أولى آثار العقوبات على طهران انهيار التومان فبعد أن كان يساوي 32 ألف مقابل الدولار عام 2015 بعد توقيع إيران الاتفاق النووي مع الدول 5+1 لكن التومان انهار اليوم إلى 215 ألف مقابل الدولار.
تدرك الولايات المتحدة أن موقع إيران الجغرافي يسمح لها بالالتفاف على العقوبات، خصوصًا وأن هناك دولًا ترفض الاستجابة لتلك العقوبات وافقت الولايات المتحدة على استثنائها لفترة مثل الصين وغيرها من الدول، رغم ذلك تراجعت واردات النفط من 100 مليار دولار عام 2011 إلى 8 مليارات دولار في الوقت الحاضر.
البرلمان الإيراني منزعج من وزير خارجيته محمد جواد ظريف وبشكل خاص الحرس الثوري عندما وافق في المفاوضات على استبدال 10 طن يورانيوم مخصب بيورانيوم خام، وتخفيض أجهزة الطرد المركزي من 19 ألف إلى 5100 جهاز طرد مركزي.
فمراهنة الملالي على مجيء رئيس جديد للولايات المتحدة وهم؛ لأن مجيء الديمقراطيين سيستمرون في الأغلب في استمرار العقوبات على إيران، لأن خطر إيران بعد توقيع الاتفاق النووي زاد على المصالح الأمريكية في المنطقة، وبدأ يهدد حلفاءها خصوصًا وأن الولايات المتحدة تود إعادة تموضعها العالمي المكلف، ولا تريد لإيران أن تملأ الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة، بل هي تريد من الدول الإقليمية الالتزام بما ترسمه من نفوذ للدول الإقليمية الكبيرة في المنطقة، وهو ما نلحظه من أنها لا تسمح لأي دولة إقليمية بالهيمنة على دول الصراع بمفردها.
لذلك نلاحظ تراجع الجيش الوطني الليبي المدعوم مصريًّا وسعوديًّا من الهيمنة على طرابلس، وكذلك أوقفت دولة الإمارات من تحرير الحديدة، وكذلك جعلت أمريكا سوريا مقسمة بين الهيمنة التركية والروسية وتواجدها في الأجزاء الشرقية من سوريا لحماية حلفائها الأكراد، وفي نفس الوقت قطع الطريق على طهران إلى بيروت والبحر المتوسط، فيما تصر أميركا على خروج إيران وحزب الله من سوريا.
وهي تحرص كما تدعي على تقاسم السلطة بين جميع الأطراف في دول الصراع عبر الأمم المتحدة، لكن ما نلحظه هو فشل الأمم المتحدة في سوريا وليبيا واليمن حتى الآن بجانب غياب الجامعة العربية وعدم قدرتها على التدخل، لذلك نجد تركيا تحاول استثمار هذا الفراغ وملؤه في طرابلس، لكن وقفت الدول العربية (مصر والسعودية) لتركيا ولقنتها درسًّا أليمًا لن ينساه أردوغان وغلمانه التي تقود المليشيات في المنطقة، رغم ذلك لن يرتدع أردوغان، وسيواصل تحشيد قواته في طرابلس خصوصًا وأن الممول هي دولة قطر.
كذلك إيران لن تتوقف عن دعم وكلائها في المنطقة في العراق وفي اليمن ولبنان وسوريا، ولم تستوعب إيران أيضًا الدرس بعد مقتل قاسم سليماني والمهندس من أن هناك مرحلة جديدة قد دخلت فيها المنطقة، وهو وقف التمدد الإيراني، وفوجئت إيران بعزل الفياض رئيس الحشد الشعبي وبتعيين بدلًا عنه الفريق عبد الغني الأسدي، وتعيين وزير الداخلية السابق قاسم الأعرج مستشارًا أمنيًّا، وسبق تعيين الفريق عبد الوهاب الساعدي رئيسًا لمكافحة الإرهاب، ما جعل الأحزاب الولائية لإيران تنتفض وأقدمت على اغتيال الدكتور هاشم الهاشمي، وهي بذلك أعطت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يدير معركة استعادة هيبة الدولة الاستعجال في اتخاذ قراره بحصر السلاح بيد الدولة، خصوصًا وأنه صرح عبر المتحدث الإعلامي من أن الدولة لا تقبل بأي شكل من الأشكال اختطاف الدولة، وأنها ستقضي على عصابات اللادولة وهي في الأساس متهمة بسلسلة من الاغتيالات التي طالت الناشطين في الحراك الشعبي منذ أكتوبر 2019 .
أقدمت قوة من جهاز مكافحة الإرهاب بقيادة الفريق عبد الوهاب الساعدي على اعتقال 13 عنصرًا من فصيل موال لإيران على خلفية الهجمات الصاروخية ضد المصالح الأميركية في سابقة منذ بدء تلك الهجمات، وضبطوا وفي حوزتهم صواريخ معدة للإطلاق جنوب العراق في منطقة الدورة ينتمون لفصيل حزب الله ومنذ أكتوبر 2019 استهدف أكثر من 33 صاروخًا منشآت عراقية تستضيف دبلوماسيين أو جنودًا أجانب في دلالة على خطورة الوضع بعدما قتلت واشنطن في يناير 2020 قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ذروة التوتر بين واشنطن وطهران، وحزب الله جزء من الحشد الشعبي الذي تشكل بفتوة دينية عام 2014 وقاتل داعش تحت مظلة القوات الأمنية العراقية ومظلة طيران التحالف، وأصبح له قوة لا يستهان بها وثاني أكبر تمثيل في البرلمان العراقي ما مكن البرلمان يتخذ قراره بخروج القوات الأميركية، لكن الحشد يؤكد أن لا علاقة له بالهجمات الصاروخية.
منح اتفاق 2015 تخفيفًا للعقوبات مقابل قيامها بالحد من برنامجها النووي، وأعقب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق بإعادة فرض عقوبات مشددة آحادية على طهران بعدما وصف الاتفاق بالمعيوب، ودعا إيران إلى توقيع اتفاق أشمل يتضمن أنشطتها الإقليمية وتقييد تطوير الصواريخ البالستية، لكن إيران ترفض ذلك.
هناك تسع دول تمتلك نحو 9 آلاف سلاح نووي منها 1500 في حالة تأهب، ويمكن إطلاقها في أي لحظة، وروسيا والولايات المتحدة تمتلكان أكبر ترسانة نووية، فروسيا تمتلك نحو 7 آلاف بعدما كانت تمتلك في الثمانينيات من القرن الماضي نحو 70 ألف رأس نووي، فيما أمريكا تمتلك نحو 6800، والصين نحو 270، وفرنسا نحو 300، وبريطانيا نحو 95، وباكستان نحو 141، والهند نحو 130 وفي إسرائيل 80، وكوريا الشمالية 20.
هناك اتفاقية حظر الانتشار النووي عام 1970 انضمت أمريكا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا والصين، لكن لم توقعه الهند ولا باكستان وحتى إسرائيل، وتراجعت كوريا الشمالية عن الاتفاقية عام 2003، وتعترف المعاهدة بحيازة خمس دول فقط للسلاح النووي الموجودة في مجلس الأمن، ويحظر على هذه الدول الخمس تطوير أسلحة نووية، وفي عام 2017 في يوليو وقعت أكثر من 100 دولة على اتفاقية دولية لحظر السلاح النووي، لكن أمريكا وبريطانيا لا تعتبران الانضمام إلى منظمة الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية ( ICAN )والتي فازت بجائزة نوبل للسلام.
المشكلة أن إيران سبقت إسرائيل في عام 1980 القيام بعملية السيف المحروق ضد المفاعل النووي العراقي، لكنها فشلت فقامت إسرائيل بالتعاون مع إيران في 7 يونيو 1981 بقصف المفاعل النووي العراقي سميت بعملية أوبرا، واستغرب أن الولائيين يعبدون طهران رغم أنها هي التي أول من ضرب المفاعل العراقي، وتعاونت مع إسرائيل في ضرب المفاعل النووي العراقي وكذلك في احتلال العراق عام 2003 وهم لا يختلفون عن غلمان تركيا الذين يقدسون أردوغان الذي يستبيح الأراضي العربية، ويرسل السوريين إلى ليبيا لقتال الليبيين، وتحويلهم إلى مرتزقة بدلًا من الدم العربي الذي يحن لأخيه العربي، وليس هذا فحسب بل الدم الإنساني محرم.
وقامت إسرائيل في 6 سبتمبر 2007 بعملية البستان بضربة جوية ما يشتبه مفاعل نووي في محافظة دير الزور السورية، والآن تمتلك إسرائيل قمرًا صناعيًّا إسرائيليًّا جديدًا؛ لمنع إيران من تطوير قدرات نووية بل عن إسرائيل تصرح أنها ليست وراء كل حوادث المواقع النووية داخل إيران، ما يعني هناك جهات عالمية وأيضًا عملاء في الداخل الإيراني، فهناك حريق هائل في 2/7/2020 في مفاعل “نطنز” النووية بعد انفجار هز موقعًا في شرق طهران لمصنع تابع للصورايخ البالستية، وسبق أن تعرضت منشأة نطنز للتخصيب في السابق لهجوم إلكتروني في إشارة إلى هجوم بفيروس ستوكسنت وقع في عام 2010 وألحق أضرارًا بأجهزة الطرد المركزي، وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد أفادت أن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن الانفجار وقع في قاعدة بمنطقة خجير على بعد 24 كم شمال غربي قاعدة بارشين، وهي منشأة مغطاة بأنفاق تحت الأرض لإنتاج الصواريخ والوقود السائل والصلب المستخدم في الصواريخ، ومن بين الفرضيات التي أعقبت الانفجار في الموقع الصاروخي احتمال تعرضها لهجوم إلكتروني إسرائيلي؛ نظرًا لتزامن الانفجار مع قطع شامل للكهرباء بمدينة شيراز مركز محافظة فارس.
يكثف المبعوث الأميركي الخاص لإيران برايان هوك من جهوده؛ لتمديد حظر السلاح على إيران قبل انتهائه في أكتوبر 2020 وخلال زيارته للسعودية هناك توقع في إخفاق العالم في تمديد حظر السلاح على إيران وهناك توقع الأسوأ من إيران وعدم استقرار المنطقة وزيادة المعاناة في اليمن وتقويض الأمن، فإيران قامت بهجوم على السعودية ومن خلال وكلائها في اليمن في ظل حظر السلاح، فكيف يمكن أن يفعلوا في حال رفع حظر الأسلحة، فستكون إيران أكثر شراسة وعدوانية.
وسبقت زيارة هوك للسعودية من أن فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركات في قطاع صناعة المعادن في إيران، وهناك تقرير أممي الذي أثبت أن مصدر الأسلحة التي استهدفت السعودية أصلها إيراني، ويعتبر هذا التقرير رادعًا لإيران يمكن أن تستخدمه السعودية ورقة ضغط على إيران في منع إيصال الأسلحة إلى اليمن، وأن يكون تحذيرًا للجهات والأطراف التي تساعد في إيصال هذه الأسلحة ، وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطنيو غوتيريش أبلغ مجلس الأمن في تقرير أن صواريخ كروز التي هوجمت بها منشأتان نفطيتان تابعتان لأرامكو ومطار دولي في السعودية في 2019 أصلها إيراني.
تجد البلدان الأوربية الثلاثة المعنية مباشرة بالملف النووي الإيراني (فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا) نفسها في وضع حرج بين الضغوطات الأميركية الساعية إلى تمديد حظر السلاح من وإلى إيران بدءًا من شهر أكتوبر 2020 من جهة وبين حرصها من جهة أخرى على إبقاء خيط التواصل قائما مع طهران، والمحافظة على الاتفاق النووي المبرم في صيف 2015 رغم ما لحق به من تهشيم.
يسعى الأوربيون إلى التوفيق بين مواقف تبدو بشكل ما إما متناقضة أو غير مفهومة فمن جهة يعد الثلاثي الأوروبي أن رفع الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على الأسلحة التقليدية والذي وضع بموجب القرار الدولي رقم 2231 يمكن أن تكون له آثار ضخمة على الأمن والاستقرار الإقليميين، وبذلك يكون الأوربيون قد التحقوا بالموقف الأمريكي والذي لقي معارضة من الموقفين الروسي والصيني، وستلجأ أمريكا العودة لفرض العقوبات الدولية على إيران التي رفعت بموجب القرار 2231 بطلب من طرف موقع على الاتفاق في حال عجز الموقعون الستة على حل خلافاتهم بالتفاوض، والحال أن الأوربيين يعارضون ادعاء واشنطن أنها ما زالت ضمن الاتفاق رغم خروجها منه في ربيع عام 2018، بينما هي تؤكد العكس، هنا تبرز هشاشة الموقف الأوروبي، ما يعني أن السعودية في حالة تحالف مع الولايات المتحدة للدفاع عن أمنها القومي والإقليمي.
————————
أستاذ بجامعة أم القرى