فكرة خلق إدارة أداء فاعلة من قبل الحكومات تعتبر من المهام الصعبة والمعقدة؛ لأنها تتناول عنصرين مهمين، السلوك والاستجابة.
يمكن تشبيه العلاقة بين الأداء وإدارته بعلاقة الروح والجسد، ومقدار التناغم بينهما يخلق الهدف المقصود، وهذا التناغم يتأثر بنظرية الثابت والمتحول لأدونيس، والتي تقوم على أهمية توضيح طبيعة العلاقة بين رؤيا الثبات ورؤيا التحول من خلال دراسة طبيعة العلاقة بين الماضي، والحاضر، والمستقبل.
بداية علينا تحديد ماهي الإدارة العامة ؟ وماهي حدودها ؟ والإجابة يتم تحديدها من خلال قياس معدلات الأداء الحكومي وتقييم خدماتها، ومن هنا غالبًا تظهر الحركات الإصلاحية في الحقل، كاستجابة لتلك الظواهر والمقاييس ونتائجها، وتختلف الآليات والأدوات المستخدمة بين الدول حسب الظروف التي تخضع لها تلك الدول.
تعتبر إدارة الأداء وقياس الأداء من أكثر القضايا الناشئة منذ العقد الماضي، وتشكل تحديًّا تساهم في رسم مستقبل إدارة الأداء في الإدارة العامة، بل إنها تؤثر على شبكة من الإدارات العامة مثل: كفاءة العمليات والأنشطة، وفعالية الخدمات، إدارة العلاقات بين المنظمات المختلفة، تكنولوجيا المعلومات، وأخيرًا الموارد البشرية، ويكون تأثيرها على التطورات المستقبلية، والتي تقوم بدورها بتقديم الحلول لهذه التحديات من خلال دراسة أبعاد كل تحدٍ واكتشاف أداة القياس المناسبة لها، والتي ستكون بمثابة مبادئ توجيهية لرصد أداء الإدارات العامة.
إن دراسة الأبعاد ومدى تأثيرها على إدارة الأداء العام تساهم في إنتاج الأدوات والمفاهيم في الحاضر، والتي بدورها تمثل استمرارية الأداء بفاعلية، وتساهم بشكل كبير في تحقيق كفاءة وفاعلية القيمة العامة، التي تعتبر الهدف الأساسي حيث رصدت البحوث أهمية وارتباط إدارة الأداء بالقيمة العامة وسياساتها في المثلث الإستراتيجي، وركزت تحديدًا حول الأداء الذي يتعين القيام به لتطوير مفهوم نتائج القيمة العامة، ونشر مقاييس الأداء الذي يلزم في التعرف على متى وكيف، يتم إنشاء القيمة العامة من قبل الحكومة والمنظمات الأخرى من خلال الأطر المناسبة مثل نموذج المثلث الاستراتيجي، ونموذج إطار إدارة المسؤوليات الذي ركزعلى النواحي المفهومية، والتقنية، والإدارية والسياسية، والأخذ بعين الاعتبار البيئة المحيطة.
تعمل إدارة الأداء من خلال تفاعل ثلاثة عناصر أساسية هي تحسين الأداء، تطوير الأداء، السلوك الإداري ولكل عنصر أطره وأدواته وخصائصه وجميع هذه العناصر، تلتقي في تحقيق فعالية الخدمات العامة من خلال تحسين وتطوير وقياس مؤشرات الإقتصاد و الكفائة و الفاعلية في تقديم الخدمة باستخدام مبادئ وأدوات القطاع الخاص التي تعمل بدورها على تعزيز الإدارة العامة من خلال مراقبة أداء المنظمات باستخدام الموارد والنتائج المحققة وقياس الخدمة العامة وتحقيقها للقيمة العامة.
ولا يمكن للقيمة العامة أن تتحقق؛ إلا من خلال تحقيق نتائج اجتماعية، محددة بشكل جماعي وهنا يكون تحدي إدارة الأداء التي يجب أن تعمل على موازنة القيم المتضادة، ويعتبر أحد مداخل الفلسفة السياسية في حقل الإدارة العامة.
إن المسؤولين عن إنشاء وقياس القيمة العامة، يجب أن يكونوا قادرين على بناء جسر موثوق بين المفهوم الفلسفي الثابت للقيمة وترجمته إلى الواقع المتحول الذي يمكن ملاحظته من خلال معرفة المجتمع الذي ينتمون إليه (Know Your Community). إذا ما أرادوا التحدث عن الدرجة التي تلبي بها السياسة القيم والإحتياجات والرغبات الفردية، كما أنه عليهم امتلاك طريقة مناسبة لقياس هذا الرضا، وتسمية النتائج التي يقدرها المجتمع مع إيجاد وسائل قياس الدرجة.
————
باحثة دكتوراة – كلية إدارة الأعمال – جامعة الملك سعود