منذ إشراق شمس اليوم الأول من شهر ذي الحجة يدق الشوق في القلوب إلى بدْء التلبية، والمرور بكل المشاعر المباركة، حيث يتجه ملايين الحجاج في كل عام قاصدين بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة، وذلك لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج.
وقد ورد ذكر المشاعر والحديث عنها كثيرًا في الشِّعر القديم والحديث؛ فهذا مضاض الجُرْهمي يَذْكرها قائلًا:
وَسَحَّتْ دُمُوعُ العَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةٍ
بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ وَفِيهَا المَشَاعِرُ
وقد تقطعت السبل إلى البيت الحرام مرات عدة أغلبها كانت بسبب انتشار الأوبئة والحروب، وعانى الحجيج في فترات من عمر الإسلام من قطّاع الطرق وعدم الأمان والأمراض الآتية من مختلف البقاع والأمصار.
وهاهي الأحداث تعيد نفسها هذا العام فالعالَمُ اليوم يواجه جائحةَ كورونا التي تهدد البشرية؛ حيث وقفت مانعًا لأداء الحج بالطريقة العادية؛ لأن تجمُّع الملايين من الحجاج الذين يأتون من كل فج عميق في مساحة صغيرة من الأرض بات يُشكل خطرًا على سلامة الناس، لذلك ولأول مرة في العصر الحديث، تم منع قدوم الحجاج من جميع اقطار العالم وقصره على السعوديين والمقيمين في المملكة ممن تتطابق لديهم الشروط والضوابط الصحية وكل ذلك هو ضمن استراتيجية المملكة في أداء حج آمن وصحي لحجاج بيت الله الحرام فموسم حج هذا العام استثنائي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني.
لذلك كم من عبرة ستذرفها العيون المحرومة من أداء فريضة الحج وهي ترى وفود الحجيج الاستثنائية تصل تباعًا إلى مكة المكرمة، وكم من زفرة ستخرج من أفئدة مكلومة حرقة وألما على فوات مشاركتها في ذلك المشهد المهيب الذي لا يمكن أن يُرى أو يُشاهد إلا في موسم الحج.
فمشاعر الشوق والحنين التي تعبر عنها الآهات والدموع التي تذرفها عيون كثير ممن حرموا هذا العام من أداء مناسك الحج سبقتها مشاهد الحزن والأسى يعد خلو صحن المطاف بالكعبة الشريفة من المصلين والطائفين الأمر الذي أثار مشاعر ملايين المسلمين في العالم بسبب جائحة كورونا وهم في الحقيقة معذورون في ذلك، فمن ذاق حلاوة مناجاة الله في تلك البقاع الطاهرة، ومن أيقن بعظيم الثواب الذي أعده الله تعالى للحاج والمعتمر لن يستغرب أو يتساءل: لماذا تهفو قلوب المؤمنين إلى الكعبة المشرفة والمشاعر المقدسة ؟!
وخزة قلم
حرصُ قيادتنا الرشيدة على أداء الحج رغم الجائحة أخرس الأبواق الناعقة فالحج اجتماع إيماني، وليس محفلًا سياسيًّا ترفع فيه الشعارات.