المقالات

بين العلاج الكيمائي والعلاج الوظيفي

عبارتان خطيرتان يلقيهما الأطباء ولا يلقون لهما بالا (هذا مرض مزمن)، (خلك على هذا العلاج). فالأولى تجعل كل عارض -مهما كان- مرضا مزمنا. فانخفاض أو زيادة نسبة السكري في الدم، دون توقف البنكرياس عن العمل تماما، مرض مزمن، وليس عارضا من الأعراض قد يتطور لمرض مزمن. وقس على ذلك.

أما العبارة الثانية فيكمن خطرها في أن إدمان العلاج الكيمائي عندنا صار علاجا، لا مرضا سلوكيا يحتاج إلى علاج. فترى الشاب الصغير الذي يعاني من قصور في وظيفة البنكرياس، أدى إلى زيادة نسبة السكري في الدم، يحمل علبه الأدوية معه في كل زيارةعائلية أو رحلة مع الأصدقاء، ولو لجأ طبيبه المعالج إلى العلاج الوظيفي أو العلاج السلوكي، لمنحه فرصة التعافي من المرض ومن إدمان العلاج.

إن المستحضرات الصيدلانية التي تصرفها وزارة الصحة مشكورة، بشكل منتظم، لمرضى ما يعرف -توسعا- بالأمراض المزمنة، خطر كبير على الصحة وعلى ميزانية الدولة معا. هناك جانب مهم في العلاج، مهمل -للأسف الشديد- في مستشفياتنا، هو العلاج الوظيفي.

المفترض بهذا النوع من الأدوية الكيميائية أن يعطى للمرضى لفترة مؤقتة، هي فترة التحول من العادات الغذائية الخاطئة والممارسة غير الصحية في الروتين اليومي للحياة، إلى نمط الحياة الصحية. وهذا يعني أن توضع للمريض خطة علاجية، غير كيمائية، بجانب العلاج الكيميائي المؤقت، تعتمد على تعديل نمط التغذية والرياضة، حتى تعود الحالة الصحية للشخص إلى التوازن، ثم يتوقف العلاج الكيمائي تماما.

المريض الذي له الحق في الحصول على العلاج الكيميائي باستمرار، وعلى نفقة الدولة، هو فقط ذاك الذي فشل عنده أحد الأعضاء، وصار مضطرا إلى استخدام علاج كيميائي بديل؛ لتعويض النقص؛ مثل مرضى فشل الكبد أو الكلى أو البنكرياس،..ألخ. أما العطل المؤقت بسبب العادات الخاطئة فعلاجه سلوكيا أولى من الهدر المالي في العلاج الكيمائي، الذي تحول إلى إدمان.

غياب تخصص (العلاج الوظيفي) في كليات العلوم الطبية التطبيقية في جامعاتنا السعودية هو السبب في غياب ثقافة الدواء المؤقت في مستشفياتنا، وهو -أيضا- ما شجّع بعض غير المختصين على استغلال حاجات المرضى، بممارسة ما يعرف بالعلاج بالطاقة، أوغيره من العلاجات، التي غاية معظمها الكسب المالي.

نحتاج إلى تحويل أقسام (التثقيف الصحي) في جامعاتنا إلى مسمى (التثقيف الصحي والعلاج الوظيفي)، وهذا من شأنه الارتقاء بمستوى العناية الطبية في مستشفياتنا، بزيادة التوعية الصحية من جهة، وتعديل السلوكيات الغذائية والحياتية الخاطئة، من جهة أخرى، وهذا من شأنه أن يحدّ من خطر الإدمان على العلاج الكيميائي الذي نراه في مجتمعنا، عند الصغار والكبار.

قد لا أكون مختصة في هذا الجانب، لكني وقفت على عدد من الحالات للأقارب شفيت تماما من السكرى بعد تعديل نظام الأكل وممارسة الرياضة. في حين أني وجدت -أيضا- مرضى سكري يعيشون حياة عادية، فيتناولون السكريات بشراهة ولا يمارسون الرياضة، اعتمادا على (الحبوب)؛ لأنها -في نظرهم- تصلح ما يفسدونه بالطعام والكسل والخمول.

العلاج الوظيفي، ثم العلاج الوظيفي، ثم العلاج الوظيفي، ثم العلاج الكيميائي، للحالات التي لم تصل إلى مرحلة الفشل العضوي والتعطل التام للوظائف. الأخذ الكلي بآراء المدرسة الكيمائية في الطب، وتجاهل بقية المدارس، يعد ضعفا علميا، وسبب في هدر مادي كبير لميزانيات وزارة الصحة، على مر الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى