حينما تسنمت رئاسة قسم الإعلام بجامعة أم القرى وكنت رئيسًا لتحرير صحيفة منار الجامعة، وجدت عملاقين متخصصين في التحرير الصحفي هما الدكتور عبدالعظيم خضر والدكتور أحمد منصور زملائي في القسم، وقد عملا في تحرير جريدة الأهرام في القاهرة سنين طويلة، كانا ترسانة ثقافية خاصة في النحو والأدب، ويحفظان القرآن الكريم كاملًا، وكنت حينها أكتب مقالات في صحف محلية، وحينما بدأنا في إخراج أول عدد لصحيفة المنار وجدت نفسي بين فكي أسد في التحرير كيف أراجع بعد تحريرهما وتدقيقهما فهناك فارق كبير حقيقة في المستوى بيننا في تخصص الصحافة، وكنت لا أجرؤ على التعديل عليهما إلا في أمور فكرية بسيطة بحكم معرفتي بتركيبة البناء الثقافي لمجتمعنا السعودي، وقد تعلمت منهما الكثير وكنت تلميذًا لهما على الرغم من أني كنت رئيسًا لهما ورئيسًا للتحرير، وما كنت أتحرج من ذلك، ومن ذهولي من الاحترافية التي يملكانها كنت أجلس معهما أكثر من اثنتي عشرة ساعة متواصلة لإخراج العدد، ولا أمل من ذلك.
إن التحرير الصحفي مهمة شاقة، وتحتاج إلى علوم ومعارف ومهارة وخبرة وثقافة واسعة، وقد حفلت صحافتنا بالعمالقة في التحرير الصحفي على سبيل الذكر وليس الحصر منهم حامد مطاوع وخالد المالك والدكتور هاشم عبده هاشم، وهذا الأخير كانت لي تجربة مع قلمه الأحمر الصارم فهو لا يراجع الكاتب حسب تجربتي في نشر مقالاتي في صحيفة عكاظ ويلغي، ويحذف بعض الكلمات والجمل وكان فكره منفتحًا على جميع الأطياف الثقافية، وذات يوم أرسلت له مقالة بعنوان”العراق ياسادة الفكر”، واستشهدت ببيت من الشعر
من ذا أصابك يا بغداد بالعين
الم تكوني يوما قرة العين
فحذف عجز البيت وأيقى صدره؛ لأننا كنا في حالة حرب مع العراق لغزوه الكويت وزحفه نحو الخفجي فضحكت وقلت لله درك ياهاشم ما أدق حسك الصحفي، وحينما غادر يومًا الصحيفة ثم رجع إليها مرة أخرى كتبت بيتا وقلت له:
ما إن رحلت بكت أقلامنا كمدا
وحين عدت زكى القرطاس والقلم
والحديث عن الحس الدقيق لرئيس التحرير أمر في غاية الأهمية لأنه يرى ما لا يراه الكاتب أو ناقل الخبر أو المحرر؛ لأن مسؤولية المحتوى تقع على عاتقه، ولاحظت في الآونة الأخيرة مع التصفح وقراءة بعض صحفنا الإلكترونية بعضًا من رؤساء التحرير هم على خطى العمالقة مع فارق الخبرات، وما أتمنى من رؤساء بعض تحرير الصحف الإلكترونية مشاورة الخبراء والكتاب المخضرمين فيما ينشر خاصة إذا كان الإشكال في كلمات، وجمل المحتوى الجاهز للنشر والبعض منهم يفعل ذلك، وهذا في نهاية الأمر يرفع المستوى التحريري للصحيفة، ويلبي ذوق القراء.
————-
استاذ الاعلام الدولي – جامعة أم القرى