حوارات خاصة

البروفيسور الزهراني لـ”مكة”: الغربة حالة نفسية يمكن التغلب عليها باللغة

 لم يمنعه الفقر وبساطة الحال من تحقيق حلمه والمثابرة على دراسته، وعلى الرغم من المسؤولية التي حملها صغيرًا على عاتقه؛ إلا أنه واصل طريقه ولمع بريقه واستطاع أن يضع بصمته في الكثير من المؤسسات.

إنه البروفيسور عبدالرزاق الزهراني الذي نشأ في أسرة بسيطة تعتاش من الزراعة وتستقي العلم عشقًا ووراثة، والذي تلتقي به صحيفة “مكة” الإلكترونية للتعرف على أبرز المحطات في حياته وأكثرها تأثيرا في مسيرته العلمية والمهنية.

١- من هو البروفيسور عبدالرزاق الزهراني؟

مواطن سعودي شاعر وكاتب ومعلم وعالم اجتماع، ولد في قرية القِسَمة في زهران لأسرة ريفية بسيطة، في فترة التغير البطيء، كانت أسرته تتوارث التعليم كابرا عن كابر، كان جده لأمه معلما وقاضيا، علم الكثيرين من أبناء قريته والقرى المجاورة، منهم الوالد حمود بن سعدي الفقيه الزهراني، والشيخ جمعان السبيحي شيخ بني عدوان وبني حرير، كان والده إماما وخطيبا لجامع القسمة، وافتتح أخوه الأكبر فصلا دراسيا (كتّاب) لتعليم القراءة والكتابة، وبعد عدة أشهر تم افتتاح المدرسة النظامية.

عاشرت الحياة القديمة، بحلوها ومرها، حيث كان الناس يعانون من ضيق ذات اليد، فالمواصلات كانت على الأقدام والدواب، والطعام مما تنتجه المزارع، لا كهرباء، ولا متاجر، كنت أدرس في الصباح وأساعد الأسرة في أعمال الزراعة في المساء، ورغم ذلك كنت الثالث على منطقة الباحة في الابتدائية، ودرست في معهد الطايف العلمي، ثم واصلت تعليمي في كلية اللغة العربية، ثم مدرسا في معهد الباحة العلمي لمدة سنتين كانت من أفضل سنوات حياتي، ثم معيدا في قسم الاجتماع بجامعة الإمام، وابتعثت إلى الولايات المتحدة، وحصلت من هناك على الماجستر والدكتوراه، وعدت عضو هيئة تدريس في القسم نفسه، وتوليت رئاسته، وترقيت حتى وصلت إلى درجة أستاذ (بريفسور) وانتخبت رئيسا للجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية لفترتين متتاليتين، وعلمت مستشارا غير متفرغ مع عدد من الجهات الدولية الإقليمية والوطنية.

لي عشرة كتب وأربعة دواوين شعرية منشورة، وديوان خامس وعدة كتب جاهزة للنشر، كنت أكتب في صحيفة الجزيرة بانتظام، وتعاونت مع الجهات الإعلامية في المملكة، وحضرت وشاركت في العديد من المؤتمرات في الداخل والخارج، وشاركت في ثلاثة من لقاءات الحوار الوطني، وأشرفت على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وشاركت في مناقشة العديد منها في الجامعات السعودية.

٢- أبرز ثلاث محطات في حياتك؟

هي ست محطات:

١: محطة الطفولة وحياة القرية.

٢: محطة الطايف، ودراسة المتوسطة والثانوية.

٣: محطة الرياض الأولى، ودراسة اللغة العربية والحصول على شهادة الجامعة.

٤: محطة الباحة والعمل مدرساً لمدة سنتين في معهد الباحة العلمي.

٥: محطة البعثة إلى الولايات المتحدة، وتعلم اللغة الانجليزية والحصول على الماجستير  والدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة ولاية واشنطن.

٦: محطة الرياض الثانية، والعمل في المجال الأكاديمي لأكثر من ثلاثة عقود.

٣- أقرب هذه المحطات لقلبك؟ ولماذا؟         

كل محطة من تلك المحطات لها نكهتها وميزاتها الخاصة، وربما كانت مرحلة العمل في معهد الباحة العلمي من أكثرها تميزا، حيث كانت في أوج الشباب، اكتشفت فيها منطقة الباحة، وأسهمت في إعداد مجموعة من أبنائها المميزين منهم أ. د. صالح سعيد عيد، الشاعر الكبير وأستاذ الأدب والبلاغة في جامعة أم القرى، والأستاذ الشاعر حسن محمد حسن الزهراني رئيس نادي الباحة الأدبي، والدكتور محمد العلم وكيل جامعة الإمام سابقا وأخوه د. أحمد نائب محافظ وادي الدواسر، واللواء أحمد سعدي مدير عام مكافحة المخدرات، والعميد علي السياري وكيل شرطة الباحة سابقا، وعدد من القضاة والمعلمين والإدرايين البارزين في مجالات مختلفة.

والمرحلة الثانية هي مرحلة العمل في الجامعة والإسهام في إعداد أعداد كثيرة من خريجي الاجتماع، وبعضهم حصل على الدكتوراه وأصبح عضو هيئة تدريس ناجح ومتميز منهم د. سعود الرشود رئيس قسم الاجتماع في جامعة الإمام وأ. د. عبدالغني الحميري رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في جامعة أم القرى، وأ. د. خالد الشريدة، وأ. د. عبدالعزيز المشيقح في جامعة القصيم، والكثير من أعضاء هيئة التدريس في قسم الاجتماع في جامعة الإمام وغيرها من الجامعات.

٤- ماهي أبرز الشخصيات التي تستحضرها في كل محطة ؟

في محطة القرية كان والدي الشيخ حمود بن سعدي الفقيه من أبرز شخصيات القبيلة، لعلمه، وكرمه، ورجاحة عقله، وكان مشهورا بإصلاح ذات البين، وكانت كلمته مسموعة لأنه لم يكن يجامل أحدا، وكان القضاة يحيلون الكثير من القضايا إليه ليصلح بين أطرافها، وكان يوفق في حل معظمها رحمه الله، وشهادتي فيه مجروحة.

في مرحلة معهد الطايف العلمي كان هناك مجموعة من المدرسين لا أنساهم أبدا، أبرزهم معالي الأستاذ محمد الصقر الذي انتقل فيما بعد إلى مجلس الوزراء، وأصبح رئيسا لشعبة الخبراء، كان هو والأستاذ صالح العليان من عنيزة ومحمد ابو الفتح البيانوني من سوريا يتنافسون في حثنا على القراءة الحرة وتشجيعنا عليها، حتى كنا نتنافس فيها وأصبحت عندنا عادة، وقد حاولت أن أنقلها إلى طلابي في معهد الباحة العلمي وفي الجامعة، وقد نجحت مع بعض الطلاب الذي واصلوا تعليمهم وحصلوا على الشهادات العليا.

وفي كلية اللغة العربية كان هناك أساتذة أزهريون موسوعيون، وسوريون بارزون، منهم الدكتور محمد رجب البيومي، وزكي علي سويلم، وأشهب القاضي، ومن السوريين د. عبدالرحمن رأفت الباشا صاحب سلسلة صور من حياة الصحابة، وصور من حياة التابعين، ومعالي الأستاذ عمر عودة الخطيب، الذي كان وزيرا للتموين في سوريا، ود. عبدالقدوس أبو صالح رئيس تحرير مجلة الأدب الإسلامي، رحم الله من مات منهم ومتع الأحياء منهم بالصحة والعافية.

٥- أبرز المعوقات التي واجهتك في كل محطة؟ وكيف تم التغلب عليها؟

كان ضيق ذات اليد من أبرز المعوقات لي ولجيلي، ولم يضعف هذا المعوق إلا بعد تخرجي من الجامعة بعدة سنوات، أما المعوق الثاني فكان الاغتراب، فرغم أن الطايف قريب من منطقة الباحة، فقد شعرت فيه بغربة كادت أن تودي بمستقبلي، وعدت إلى القرية، وبعد أسبوع أعادني الوالد رحمه الله إلى الطايف ونقل سكني إلى بيت زوج أختي، وكان قبلها يعيش مع إخوته في بيت واحد، وكانت الوالدة في تلك الفترة تعاني من ورم في البطن ما لبث أن أودى بحياتها وأنا في السنة الثانية متوسط، وكانت في تلك الفترة تسكن عند أختي حيث كنت أسكن أنا، كان لوفاتها وقع كبير في نفسي، ولكنني تجاوزت تأثيراته بعد فترة من الزمن.

وفي الرياض وفي أمريكا عانيت من الغربة، ومن الضغوط النفسية، ولكن الله أعانني على تجاوزها، فبالصبر وبالمثابرة، تعلمت اللغة الإنجليزية، ونجحت في دراساتي العليا، وكنت مثار إعجاب من أساتذتي الأمريكيين.

٦- كيف كانت تجربة الغربة الدراسية وتأثيرها عليك شخصياً؟

الغربة حالة نفسية، سببها حاجز بين الدارس والمجتمع الذي يعيش فيه، وسبب الأبرز لتلك الغربة يأتي من ضعف اللغة ومن ثم ضعف التفاعل مع المجتمع المحيط، والسبب الثاني اختلاف الثقافة، وهي هنا طريقة حياة المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده وقيمه وعقائده، وهي هنا ثقافة المجتمع الأمريكي التي تختلف كثيرا عن ثقافة مجتمعنا السعودي، ويحتاج المبتعث إلى بعض الوقت ليتكيف مع المجتمع المحلي، ويعرف لغته وثقافته، وكثير من المبتعثين يحاولون إيجاد نظام داعم من زملائه المبتعثين وأسرهم، وغالبا ما يكون لذلك النظام أثره في تخفيف الغربة، وإن كانت تأثيراته على تعلم اللغة الإنجليزية تكون سلبية غالبا.

٧- اللغة العربية للدكتور عبدالرزاق ماذا تعني له وكيف ممكن أن يصفها بكلمات؟

اللغة العربية هي عندي أعظم لغة في العالم، إنها لغة القرآن الكريم، ولغة الآداب الراقية، ولغة العلوم والمعارف لقرون عديدة، وهي من أبرز مكونات الهُوية لمجتمعاتنا العربية والمسلمة، وكل أمة حية لا بد أن تهتم بلغتها وتحافظ عليها وتعتز بها، فكيف إذا كانت هذه اللغة هي لغة القرآن الكريم، والتي كتب عنها أعداد لا تحصى من الدراسات، وحفظتها المعاجم والقواميس، وهي واحدة من اللغات الخمس المعتمدة في الأمم المتحدة. وقد كنت أحاسب طلابي على أخطائهم في اللغة العربية، وأصحح أخطاءهم باستمرار، وخاصة طلاب الدراسات العليا.

٨- تعاونك الكبير والملحوظ مع عدة جهات حكومية ما رأيك فيها؟

تعاونت مع عدد من الجهات العالمية منها منظمة الصحة العالمية في برنامج المدن الصحية، من خلال وزارة الصحة، وعدد من الجهات الإقليمية منها جامعة نايف، ومجلس التعاون الخليجي، وعدد من الإدارات الحكومية منها مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية، وأنجزت له دراسة عن جرائم العصابات، والأمن العام وأنجزت لهم دراسة عن جرائم غسل الأموال، ومركز الدراسات الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية، وقدمت لهم دراسة ميدانية عن المسلمين في الولايات المتحده الامريكية، كما عملت مستشارا غير مفترغ مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وقدمت لهم أكثر من دراسة عن المسنين، والتنسيق بين الأعمال التطوعية، ومن الجهات التي عملت معها مستشارا غير متفرغ الدفاع المدني، والهلال الأحمر السعودي، وكل تلك الجهات تقدم خدمات جليلة للمجتمع، ولكنها جميعا لا زالت تعاني من نقص في تهيئة قنوات للعمل التطوعي، وأتمنى في المستقبل القريب أن يكون العمل التطوعي له قنواته وطرقه الواضحة لمن يريد أن ينخرط فيه.

ولقد استفدت كثيرا من عملي مع تلك الجهات وآمل أن يكون عملي معهم قد أفادهم.

9 – أين أنت من المشاركة في الأندية الأدبية؟

بدأت قول الشعر وأنا في المرحلة المتوسطة، كنت أكتب في الفصل قصيدة فرآها أستاذنا يحي معافا رحمه الله وقرأها وأشاد بها، كما شجعني الأستاذ محمد أبو الفتح البيانوني، الذي أصبح عضو هيئة تدريس فيما بعد، على قول الشعر، وصحح لي قصيدة قلتها في وداع المعهد العلمي في الطايف، وقد حصلت مع عشرة من زملائي على 80% من الدرجة وانتقلنا على إثرها إلى الجامعة، أما الباقين ٢١ طالبا فقد انتقلوا إلى الصف السادس، وكانت فترة التعليم في المعهد خمس سنوات، واشتهرت دفعتنا بأنها دفعة 80% وعدد كبير منهم أصبحوا أعضاء هيئة تدريس أو قضاة وإداريين ناجحين.
وفي معهد الباحة العلمي عاودت قول الشعر بعد انقطاع طويل.

10 – حدثنا عن كل ديوان على حِده؟

اول ديوان صدر لي بعنوان (الوادي المهجور) ضم عددا من القصائد البواكير، ومجموعة من قصائد وصف الطبيعية، وعددا من المراثي، منها مرثيتي في ابني عمر الذي توفي في حادث سيارة عام ١٤١١، بعنوان (وداعا يا عمر) وكانت قد نشرت في صحيفة الجزيرة وجاءني على إثرها برقيات تعازي من داخل المملكة وخارجها، ولم تكن وقتها وسائل التواصل الاجتماعي قد ظهرت، ومرثيتي في خالي الشيخ حمدان بن سالم الفقيه بعنوان (الجبل الذي عاش بين الجبال) ومرثيتي في عمتي، ومرثيتي في والدي بعنوان (ستظل رمزا للشهامة والكرامة).
أما الديوان الثاني فكان بعنوان (الضمائر الغائبة) ضم خماسيات ورباعيات وقصائد قصيرة كنت قد نشرتها تباعا في صحيفة الجزيرة، وكانت مقطوعات مركزة يستطيع متصفح الجريدة قراءتها في وقت قصير أثناء التصفح.أما الديوان الثالث فكان بعنوان (ظلام في مدينة الشمس) ويضم قصيدة بهذا العنوان، ومدينة الشمس هنا ترمز لبغداد بعد أن اجتاحها المغول الجدد، وأحرقوا ونهبوا الآثار، وقتلوا الأبرياء، ونشروا الفوضى. والديوان يضم عددا من القصائد الوطنية، وعددا من المرثيات منها مرثيتي في ابن اختي المهندس زياد بن حمود الزهراني وكيل وزارة البترول والمعادن لشؤون الشركات، والمشرف على مكتب الوزير، وقد وافاه الأجل في لندن وهو يحضر مؤتمرا نيابة عن الوزير، وقد توفي إثر نوبة قلبية مفاجئة، ومرثيتي في أخي الأكبر أحمد، وفي الشيخ محمد بن حسن والد الاستاذ الشاعر حسن محمد حسن رئيس نادي الباحة الأدبي، وأحد طلابي في معهد الباحة العلمي. ومرثيتي في الملك عبدالله رحمه الله، وقصيدة بعنوان (عزم وحزم) موجهة للملك سلمان حفظه الله.
أما الديوان الرابع فهو بعنوان (دنيا…!!!) صدر قبل سنتين من قِبَل نادي الباحة الأدبي ومؤسسة الانتشار العربي في بيروت، ضم العديد من القصائد التأملية في الإنسان والكون والحياة، والقضايا المعاصرة.
وهناك ديوان خامس معد للنشر بعنوان (تفاؤل…) وهو امتداد للديوان السابق، ويضم عددا من القصائد عن كرونا، وعن الطبيعة، وعن قضايا الحياة المختلفة.
هذا وقد اقتصرت مشاركاتي في إقامة الأمسيات على نادي الباحة الأدبي لوجودي في الصيف في منطقة الباحة، وقد شاركت بعدد من المحاضرات في النادي، وقد تلقيت دعوة من نادي مكة المكرمة الأدبي للمشاركة بلقاء عن مكة المكرمة وذلك بعد نشر مقالي وقصيدتي بعنوان (من عجائب أم القرى) كما دعاني د. عبدالله با شراحيل للمشاركة بمحاضرة او بأمسية شعرية في منتدى با شراحيل في مكة المكرمة، ومن جهة أخرى، شاركت في برنامج (أوراق شاعر) الذي كان يذاع من إذاعة الرياض ويستمر لمدة اسبوع.

11 – كلمة أخيرة للصحيفة

صحيفة مكة الإلكترونية أصبحت تغطي مساحة لا بأس بها من قضايا وشؤون الوطن، وتستقطب مجموعة من الكتاب والعلماء والمفكرين والأدباء، أتنمى لها وللعاملين فيها المزيد من النجاحات، والمزيد من التوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى