أي فساد يحيط بنا؟ أي مستنقع نعبره ولا نعلم قاعه؟
وأي عهد نعيشه؟
من يتخيل أن أسماءً كان مجرد ذكرها يُثير الهلع، صارت في (عهد الحزم) مطلوبة للتحقيقات وعليهم للفساد ليس شبهة، بل شبهات!
فساد؟ كلمة قوية كنا نظنها بعيدة عن تلك الأسماء التي كانت مثل: (أيقونات) في الكيانات الحكومية (وزارة – هيئة – رئاسة…)، وكان السير بجوار مكتب أحدهم إنجازًا ووسامًا!
تلك الأسماء حظيت بثقة ولاة الأمر، منهم رجال قضاء ورجالات دولة وعسكريون ذوو رتب عليا… استغلوا الثقة أسوأ استغلال!
من منا لم يصادف (سعدا) في حياته العملية؟ لدينا في كل كيان ذلك (السعد)!
(سعد) الذي يعقد صفقات لتوريد معدات ومواد للدولة بمئات الملايين من الريالات، جزء منها يضل طريقه لاحقًا إلى حساب (سعد) الشخصي!
(سعد) الذي يعبث بتكاليف ومواصفات المشاريع وشروطها دون مراعاة لتقييم فني أو مالي، ويضعها لتناسب (المقاول المقرب) الذي لن يمانع في منح (سعد) هدايا مليونية! سمعنا عن (سعد) الذي لا يهتم بالمؤهلات والقدرات، ويمسك بأرقام الوظائف حكرًا لتوظيف أقاربه أو من جاء إليه بتوصية!، قالوا لنا عن (سعد) الذي يستعرض أسماء المرشحين للمناصب العليا والقيادية فيشطب هذا بجرة قلم لأنه ثقيل دم، ويستبعد آخر لأنه (حنبلي) لا يجامل ولا يقبل (هدايا)، ويعطي الضوء الأخضر لثالث؛ لأنه فاكهة الجلسة وأنيس الليالي، وعرفنا (سعدا) الذي يتجاوز الأنظمة، وتعطى له الميزانيات التي يريدها ولا يناقشه أحد في بنود صرفها، ومر علينا (سعد) الذي يقف بالمرصاد للتطوير حتى لا يفقد ميزات العمل البيروقراطي، ويضمن مرور كل الأوراق من تحت يده للتوقيع.
هؤلاء (الأسْعُد) جميعهم كانوا ألغامًا قابلة للانفجار في وجه من يفكر بالاقتراب منهم فكيف بمن يتصدى لمكافحتهم؟
إن محاربة الفساد ليست أمرًا سهلًا، بل تحتاج خطة إستراتيجية محكمة لمتابعة (الأسْعُد) ولإغلاق (قدر الإمكان) منابع الفساد التي يستغلونها، وقبل ذلك تتطلب (حزمًا وعزمًا)، وهذا ما نفذته حكومة خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 25 أبريل 2016 حين أعلنت القيادة السعودية عن خطتها الإستراتيجية (رؤية 2030)، يومها توقع (الكثيرون) الفشل لهذه الخطة قبل أن تبدأ، واعتبروها كالخطط الخماسية السابقة التي عشنا تعثر (الكثير) من أهدافها بسبب أولئك (الأسْعُد) الذين كانوا يسكنون جنبات الكيانات الحكومية.
لم يفطن الكثيرون لما تضمنته الرؤية من دعم قوي لمبدأ (التحول الرقمي)، اعتقدوا أنه من باب التقليد لما يطرح في دول العالم، و اعتبروا أهدافًا مثل (تعزيز فاعلية الحكومة، تحسين أداء الجهاز الحكومي، تطوير الحكومة الإلكترونية، تحسين إنتاجية موظفي الدولة) بمثابة عناوين فضفاضة لتجميل الخطة المرفوعة لولي الأمر!
لم ينتبهوا للمخفي بين ثنايا الخطة وما سوف تفرضه عليهم التقنية لاحقًا من مراقبة للأداء والمشاريع والمناقصات والتكاليف وبنود الصرف، لم ينتبهوا أنها المرحلة الثانية من خطة القيادة في مكافحة الفساد بعد المرحلة الأولى التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 4 نوفمبر 2017 لملاحقة عدد من مسؤولي الدولة بتهم الفساد أو تسهيل طرائقه.
إن (سعدا) لم ولن يندثر، نحن لسنا في الجنة أو في المدينة الفاضلة، مكافحة الفساد بشتى أنواعه تحتاج لتكامل الجهود بين الدولة والمواطن، ولابد من اعتماد آلية سرية موثوقة للإبلاغ عن كل (سعد) يستغل منصبه للإثراء ماديًّا، والاستفادة وظيفيًّا، ولابد من حماية كل من يبلغ (ويثبت صدق بلاغه)، وعلى الجهات المختصة توفير الحصانة له ضد قرارات الفصل من العمل أو النقل التأديبي (انتقامًا وإرهابًا)، هناك قضايا فساد تم الإبلاغ عنها، وكانت نتيجتها فصل الموظف من جهة عمله بعد إبلاغه عن قضايا فساد، والمختصون يطالبون بقانون يلزم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بحماية المبلغين، وحفظ حقوقهم حتى يساهم المواطن مع الأجهزة ذات العلاقة في تحقيق أحد الأهداف الإستراتيجية للدولة.
ختام:-
نحن في (عهد الحزم) الذي أنزل تلك الأيقونات من أبراجها العاجية، وأخضعها للتحقيق، ونأمل أن تستمر الحملة؛ لتطول زبانيتهم، وتطهر الكيانات من الفساد (قدر المستطاع).