أحمد حلبي

حسين عطار مترجم التجار

أجبر على ترك التعليم ، غير أن رغبته في التعلم مكنته من إتقان اللغة الإنجليزية وغيرها ، تعلم أصول الإدارة فرشح لاستلام وتوزيع حصص الدقيق إبان الحرب العالمية الثانية ، ترجم رسائل التجار فكان مصدر ثقتهم ، رشحته الحكومة التونسية ليكون مستورد المنتجات التونسية في المملكة .
ذاك هو الاستاذ حسين عبدالرحمن صالح يحي حسن سعيد عطار ـ يرحمه الله ـ ، المولود يوم الثلاثاء 14 جمادى الاولى 1349هـ ، في منطقة المسعى بمكة المكرمة .

والعطار الذي أتحدث عنه التحق في بداية حياته للدراسة بالمدرسة الصولتية ، ثم أتبعها بدراسته بمدارس الفلاح بمكة المكرمة ، غير أنه لم يواصل تعليمه ، فقد أخرجه والده من المدارس وجعله مساعدًا له في أعماله التجارية ، حيث كان بائعًا للمواد الغذائية ، المعروفة آنذاك بالأرزاق ، وهي (السمن والسكر والدقيق و غيرها ).
ظلت رغبة الأستاذ،  حسين عطار ـ يرحمه الله ـ في مواصلة التعليم تلازمه ، فوضع برنامجًا خاصًا به يجمع بين العمل ، ملبيًا مطلب والده بمساعدته في عمله ، ومحققا رغبته في العلم ، فجعل نهاره بالعمل ، ومساءه في التعليم ، فكانت خطوته بإحضار معلم خاص ليعلمه العلوم واللغة الإنجليزية في الفترة المسائية ، فأصبح ملمًا بالعلوم الإدارية والتجارية ، متقنا لعدة لغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية والتركية.

ولإجادته للغة الإنجليزية ، ومعرفته الإدارية تم اختياره من قبل الجهات الرسمية لاستلام وتوزيع حصص الدقيق وغيرها ، من الأرزاق على تجار مكة المكرمة ، ولم يكن يتجاوز عمره آنذاك الخامسة عشر .
كما مكنته إجادته للغة الانجليزية وغيرها من اللغات ، ليكون مترجمًا للتجار ، الذين كانوا يلجئون إليه لكتابة الخطابات التجارية للمصدرين من خارج المملكة .
وعمل في الطوافة مع والده ، فاكتسب خبرة أخرى تمثلت في القدرة على مخاطبة الحجيج ، والعمل الميداني المتمثل في استقبال الحجاج وإسكانهم بمكة المكرمة ، وتجهيز وإعداد المخيمات لهم ، وتصعيدهم للمشاعر المقدسة لأداء نسكهم ، ومغادرتهم لمكة المكرمة بعد أدائهم للفريضة .
بدأ مشواره في العمل التجاري خارج مكة المكرمة ، بافتتاح محل تجاري في مدينة جدة أسماه (دار تونس) ، كما افتتح محل تجاري في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية لبيع المنتجات المتنوعة التي يستوردها من خارج المملكة .
ولعلاقته الجيدة التي بناها مع حجاجه القادمين من الجمهورية التونسية ، اختارته الحكومة التونسية حينها ليكون المستورد الرئيسي للمنتجات التونسية ، مثل الكسكسي ، وزيت الزيتون ، والصلصة وغيرها من المنتجات الغذائية ، فجمع بين المنتجات التونسية ، والدقيق الامريكي ، ومنتجات البسكويت والحلويات والعلكة اللبنانية ، إضافة للمنتجات المصرية التراثية والتقليدية والشعبية ، من التحف والحلاوة الطحينية وغيرها .
ولم يمنعه عمله التجاري من استمراره في العمل كمطوف خلال موسم الحج ، فقد حرص على مواصلة العمل بها كل عام ، ثم استلم المسؤولية الكاملة لممارسة الطوافة ، وتفرغ لهذا العمل باقي حياته وغرس حب هذا العمل لدى أفراد أسرته .
ومن المواقف التي تستحق الذكر أنه في مرحلة (السؤال) وهي مرحلة من مراحل الطوافة الأولية ، حيث يقوم الحاج بالوصول إلى المطار أو الميناء ويتم سؤاله عن اختيار مطوفه الذي يرغب بالاستفادة من خدماته، وكان الحجاج يتناقلون بينهم أسماء المطوفين الأفضل لهم ، كان المطوف حسين عطار ـ يرحمه الله ـ معروف بحسن التعامل والخلق العالي ، وكثيرا ما يردد اسمه على ألسنة الحجاج الراغبين في النزول لديه ، وفي إحدى السنوات التي طبق فيها نظام الجمع بين السؤال والتوزيع ، طالب المختصون في الاستقبال بمكتب الوكلاء الموحد ، بعدم تسجيل أي حاج باسم حسين عطار ، لبلوغه الحد المخصص له .
وعرف عن الاستاذ حسين عطار ـ يرحمه الله ـ السماحة والكرم ، فكان يتحمل تكاليف الحج لمن تعثر من الحجاج ، كما يتحمل عنه مصروفاته الشخصية إذا لزم الامر.
وكباقي المطوفين كان العطار ـ يرحمه الله ـ يقوم باستقبال واستضافة الحجاج في بيته مع أفراد أسرته ، وبهذا نشأت علاقة ود ومحبة مع عدد من أسر الحجاج ، فأصبحوا كالأسرة الواحدة ، وأصبحت علاقتهم دائمة ومتواصلة معه ، ومع أفراد أسرته .
وحينما أنشئت مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية ، عين نائبا لرئيس مجلس الإدارة لشؤون الخدمات ، وكان من مهامه العمل على حل مشاكل الحجاج ، فوجد نفسه أمام موقف إنساني أكثر من كونه وظيفي ، وكم من مرة اضطر لاستخدام موارده الخاصة ، ليضمن راحة الحجاج ويقضي على مشاكلهم ، مؤكدًا أصالة المكي وبره بحجاجه .
توفي ـ يرحمه الله ـ بمدينة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية يوم الخميس الرابع من شهر رجب عام 1424هـ .

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button