قال صاحبي: قد ذاع وانتشر ما حدث في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، مخلفًا وراءه خسائر مادية وبشرية، وكثيرًا من الاستفهامات، التي تبحث لها عن إجابة شافية، فماذا يقول السادة المحللون؟
لا يمكن عزل انفجار بيروت عن سياقه السياسي والاقتصادي والأمني الاجتماعي، ولا عما حدث سابقًا، وسيحدث لاحقًا، ما يفتح الباب على جميع الاحتمالات، والقراءات المتنوعة التي تقترب أو تبتعد عن الحقيقة المغيبة؛ فمن حيث التوقيت سبق هذا التفجير الإعلان عن نتائج محاكمة اغتيال الحريري بثلاثة أيام، وتزامن تقريبًا مع استقالة وزير الخارجية اللبناني، والفساد المستشري بين المتنفذين، وتردي الوضع الاقتصادي، والسخط الشعبي.
ولعل القاسم المشترك فيما ذكر أعلاه هو فساد النخبة السياسية، وارتهانهم للون حزبي وطيف سياسي، وتبعية عمياء لا ترى إلا ما يمليه مرشد الميلشيا وقادة حرسها الإرهابيين، في جعل لبنان نقطة تجمع وانطلاق لجميع الأعمال التي تضره ولا تنفعه، حيث تحول هذا البلد العربي إلى معسكر لتدريب وتصدير الإرهابيين، وتهريب المتفجرات إلى مختلف دول العالم، وزراعة الحشيش وتصنيعه مرورًا بغسل الأموال، وغيرها من الممارسات غير المشروعة خدمة لنظام الملالي وتدميريًّا لبيروت وبقية شقيقاتها العواصم العربية.
بيروت أحالها حزب الله إلى مخازن للموت، فشحنة نترات الألمنيوم المخزنة من ست سنوات في مرفأ بيروت دون أن يعلم بها أحد كانت تحت إشراف هذا الحزب، الذي يمنع الاقتراب من هذه المخازن، فضلًا عن السؤال عنها، وعن مصير الحمولة التي تم التكتم على نوعها، طيلة السنوات الماضية!
ولما سقط القناع حاولوا إلصاق التهمة بموزمبيق التي نفت صلتها بالشحنة، وهو نفي أقرب للصواب، فلو كانت لها لما توقفت عن المطالبة بها؛ إضافة إلى كلفة الأرصفة اليومية والباهظة التكاليف، وهذا ما يؤكد أن مرفأ بيروت كان المحطة الأخيرة لشحنة الموت.
ولو لم تكن بيروت هي الوجهة النهائية للسفينة الناقلة للموت، لسأل عنها، أو حاول استنقاذها ذلك المجهول المنسوبة إليه زورًا وبهتانًا ؟! من هذه المخازن كان يتم تصنيع المتفجرات التي هربتها خلية العبدلي للكويت، ولولا لطف الله لكان حجمها التدميري كارثي عطفًا على كميتها وتنوعها بحسب ما اعلنت عنه الجهات الأمنية آنذاك، حيث شملت المضبوطات (19) طنًا من الذخيرة!، و(144) كيلو جرامًا من المتفجرات!، و(68) سلاحًا متنوعًا و(204) قنابل يدوية، إضافة إلى صواعق كهربائية!، وأترك لخيالكم التفكير، بمصير الكويت وأهلها لو لم يتم ضبطها!! من هذه المخازن السرية كانت تصل للبحرين شحنات الموت، والتي تم القبض بالأمس على شحنتين في طريقهما للمنامة!. من هذه المخازن كانت تصنع المواد المتفجرة التي يستخدمها الحوثي لإلحاق الضرر بالأعيان المدنية اليمنية والسعودية!
وبعدما حدث في بيروت حملت لنا وسائل الإعلام صرخة ألم من مواطن عراقي يقارن بين ما يمكن أن تجده في مدن العالم وبين بيوتها من حدائق عامة، وميادين، وكل ما يساعد على أنسنتها وحيويتها، مقابل ما تجده بين البيوت وقريبًا من السكان داخل المدن العراقية التي حولها الحشد الشعبي إلى مخازن موقوتة للموت!، فالسعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ به غيره؛ ولأن هذه الصرخة لم تجد أذانًا صاغية أجاب الشاعر العربي عمرو بن معدي كرب الزبيدي، على هذا الفتى العربي العراقي قبل نحو ألف عام بقوله:
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تنادي!!.
قنبلة أخرى موقوتة وقابلة للانفجار الذي سيخلف أثارًا اقتصادية وبيئية خطيرة، يقف خلفها ويتولى كبرها ميلشيا أخرى جندت نفسها لتدمر وطنها العربي من أجل تحقيق أطماع فارسية، صهريج صافر العائم في البحر الأحمر وفي جوفه ما يزيد عن المليون برميل من النفط الخام، أصاب الزمن هيكله بالتآكل، ومنع الحوثي صيانته، رغم تحذيرات الأمم المتحدة، والمنظمات المعنية بشؤون البيئة التي تعالت نداءاتها بكارثة محتملة؛ نتيجة تعنت الحوثي، ومنعه من السماح للفرق المتخصصة بصيانته، ومرة أخرى أترك لخيالكم التفكير في مصير البحر والبحارة والتجارة الدولية، والجزر والصيادين الذين يعتمدون في رزقهم بعد الله على ما يخرج من البحر!!
قلت لصاحبي:
هل كان سيقع هذا الانفجار المدمر لو كان لبنان ذو سيادة وطنية كاملة؟! هل كان لبنان بهذا التردي السياسي والأمني والاقتصادي لو لم يتم استبدال المثقفين والسياح والمستثمرين بالفاسدين والإرهابيين ؟!
ليس أحد أسوأ حالًا ممن يتمنى عودة الاستعمار (الاحتلال) لبلاده!
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
0