بين ضجيج الحياة وألوانها تتفلت الأوقات، وتتزايد اللحظات المهدرة، ويكثر فاقدو السيطرة على أوقاتهم وأنفسهم، فلا تتمايز في قلوبهم الأوقات، فجميعها دون إنجازات وتحقيق أمنيات.
الحجر مدرسة عظيمة، تعلّم فيه الكثير مهارات مختلفة، واشتغل فيه المثقفون بتنمية عقولهم وتهذيب نفوسهم، خرج من هذه المدرسة من استفاد، وأصلح شيئًا من ذاته.
لم تكن في منهجية الكثير الحرص على الوقت والاستفادة منه كاملًا، فلو حرص على بعضه تفلتت منه ساعات أخرى، وفريق آخر تفلتت منه الحياة كاملة، فلم يحرص على استثمار شيء منها، وبين هذا وذاك من توسط في اغتنام الفرص الحقيقية لتهذيب نفسه وتطوير قدراته، فجمع وترك، وحرص وفرط.
الحياة لا تتكرر مرتين، فاغتنام أوقاتها ضرورة، والتطوير والتنمية مطلب، فالعقول لا تخلق كاملة، فحاجتها إلى البناء أشد من حاجة بناء المادة، فالعقل أساس يبنى عليه كل شيء، وبناء المعنى أصل في بناء المبنى، والحياة لن تستقيم لجاهل، ولن تتزين لمفرط.
ونحن أجساد خاوية إن لم تملأ بتغذية الأرواح، فالروح وعاء يُخرج ما امتلأ به، ويؤثر على حياة صاحبه، فمن ملأه بالنور والبرهان والجمال عاش بينها، ومن ملأ حياته كسلًا وتخاذلًا قَطن بينها، وترنح في هزالها، ونشب في وحلها.
فلتعد الحجر لنفسك، ولتصنع لنفسك وقتًا تفرض فيه حجر التجول، لتبقى في مكتبتك بين الدفاتر والأقلام، أعد تقييم نفسك واملأها بالرضا والقبول، وابحث عن الجميل وتلذذ به، فنفس عميق تأخذه بهدوء لهو خير لك من أنين الضجر وصيحات الملل، وضياع أوقات الفراغ.
أعد لنفسك وهجها وحيويتها، وأقبل على ذاتك، وتزوّد من الوعي والإدراك والحس المعرفي، فترقى بذلك لحظات التأمل وقراءة الحياة، فترى الحياة بألوانها الحقيقية، وتقرأ حروفها بصوت هجائي …
0