المقالات

نشأة أفعالنا…

ما الذي يدفعك لفعل شيء ما، وما مصدر هذه الأفكار التي تأتي في ذهن الإنسان لتكون لديه التوجه للقيام بفعل ما، أهي العادة لقيامنا بفعل معين في زمن ومكان محددين، أم هي أفكار جديدة تأتينا من الخارج فتخلق لدينا توجهًا جديدًا أم إلهامًا يأتينا بلا مقدمات لفعل شيء ما، تلك تساؤلات نتجت عنها مايسمى فلسفة الفعل أفاض فيها المتكلمون بحثًا؛ ونظرًا لكشف حقيقة نشأتها، فنشأة الفعل المراد نقاشها هنا هي تلك التصرفات الإنسانية الناشئة بحرية مجردة بعيدًا عن التقدير الإلهي أو التسخير في اتجاه ما نتيجة دعاء أو عمل صالح أو أي ما كان قدره العزيز الحكيم لإنسان ما.

     تفسيرات نشأة الفعل اختلفت بحسب المنهج المتبع نبدأ بداية من المدارس الغربية؛ فمنهم من فسر بناءً على أن الإنسان كائن لايمكن إدراك حقيقته وروحه، ومنهم من فسر بناءً على الدراسات البيولوجية والنفسية والدينية.
الكثير أشار بأن الفعل غايته إثبات الأنا للفرد تجاه الآخر،
لذلك بعض مفكري الغرب تفاوت تعريفهم للفعل بين كونه ردة فعل أو فعل أصيل، فذهب البعض منهم أنه تعبير لردة فعل أو مقاومة لقوى ما تتمثل بجانب من حياة الفرد تعرض فيه للقهر، أو حالة تفاعلية تكيفية للإنسان مع بيئته كونه دائمًا في حالة إثبات لذاته.
أضاف آخر بأنه رد فعل نتيجة حركة الإنسان اتجاه شيء ما وليس رد فعل كعزاء أو ثأر خيالي أو خطاب ضمير في نفس الشخصية كقيم ومبادئ وأقوال نبيلة وهذا في منظورهم ضعف -الضعفاء- وردة فعل تعتمد دائمًا لمثير خارجي، وهي في حالة دائمة لهذا الاحتياج على عكس الفئة المضادة -النبلاء- والذي يكمن مفهوم الفعل (الفريق الآخر) عندهم هو الفعل الأصيل الدائم المصحوب بالتقويم وهذا ينمو عفويًّا، مما سبق يظهر لك دوافع الاستبداد والعبودية والعنصرية، وغيرها التي مرت بها البشرية سابقًا وحاليًّا.
من منظور آخر ذهب البعض أن تفسير نشأة الفعل هو العزم، العزم الناشئ من البحث عن الأنا من خلال الفعل في اتجاه ما، أو تجنب فشل ما وقع في الماضي.
ذكرنا آنفًا مصطلح تقويم الفعل، هي خطوة تلي النشأة وهي ضرورة، فإن غياب التقويم للفعل سيؤثر بشكل سلبي في هوية الفرد، وإن كان هذا التقويم خاطئًا فسيكون بسبب ثقافة مجتمعية سائدة أو مجاملة لجماعة ما الهدف منها الاندماج في النظام المجتمعي المهيمن.
من الملابسات المصحوبة لفلسفة الفعل التمييز بين الفعل والمزاج، فالمزاج فطري لا إرادي ملازم للإنسان كمثال كيف نفرق بين الغضب كفعل وكمزاج، وحينها يكون الفعل (الغضب) منفعلًا وليس فاعلًا؛ لذلك سبينوزا يقول: الإنسان الذي يقوم بأفعال من أفكار غير كافية لا يعد فاعلًا بفضيلته، بل منفعلًا أما إن قام بفعل وفق معرفه فإنه يعد فاعلًا.
ذكرنا للفعل الإرادي سابقًا بالضرورة، نذكر الفعل الطبيعي المصاحب لبيولوجية الإنسان، وهذين نوعين من الأفعال وجب التفريق بينهما، فالفعل المنشود في هذا المقال هو الفعل الإرادي، ولكن يمكن تحول الفعل من الطبيعي إلى إرادي مثال: كالأكل فالتحول الطارئ على آداب الأكل كالتحول من النيئ إلى المطبوخ، ومن الأكل أرضًا إلى الطاولة، ومن اليد إلى الملعقة هي عملية تحرر الفعل من الطبيعي إلى الإرادي.
لم تخلُ مدارس العرب المسلمين من تناول مواضيع فلسفة الفعل، من أبرزهم طه عبدالرحمن، أحد من تحدث عن نشأة الفعل عربيًّا فربط الفعل بمصطلح العمل وذلك بطبيعة الثقافة الإسلامية (وقل اعملوا).
يتميز ويزيد العمل عن الفعل من منظور طه عبدالرحمن في السعي والبذل والاجتهاد، وربط العمل بالأخلاق فالعمل في الإسلام هو فعل إنساني أخلاقي يرتقي إلى الله وهو بطبيعة الحال تفسير  إسلامي نقدي للثقافة الغربية تجاه الفعل، أضاف طه عبدالرحمن فعل العقل أي أن العقل له فعل فيمنع صاحبه من الوقوع في الخطأ أو يدفعه لعمل صالح كم هو حديث الرسول: (اعقلها وتوكل).
حديثنا عن فلسفة الفعل هنا هي محاولة لمعرفة حقيقة أفعالنا، وأهميتها تكمن معرفة الإنسان لنفسه واعيًّا بتصرفاته.

“الأفعال تكشف من أنت أما الأقوال فتكشف من تريد أن تكون ولم تستطع”     مثل ألماني

Related Articles

One Comment

  1. عادة ما يكون رد الفعل التلقائي مشهد ناتج عن خليط بين التربية و الخبرات الحياتية مضافة الى السمات الأساسية في شخصية كل فرداً منا ، هذا شرح لمقولة ( صدر مني عفوياً )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button