قال صاحبي: مرّ هذا الأسبوع عاصفًا برسائله الإعلامية المتشنجة تجاه دولة الإمارات عندما مارست حقها السيادي بالاتفاق مع إسرائيل، وعادت إلى الواجهة المتاجرة بالقضية العربية من الجميع، وعلى الأخص من قوميتين غير عربيتين هما الفرس، والترك، اللذان أذاقا المنطقة وأهلها الويلات قديمًا وحديثًا، بتدخلاتهما بشؤونها، وبتمزيق المنطقة بسلاح الطائفية المقيتة، من خلال الشعارات الوهمية ذات الأبعاد الإيديولوجية، بالرغم من أن إحداهما تقيم علاقات تعتقد أنها سرية مع الشيطان الأصغر الذي بحت الحناجر وكلت الأنامل من كتابته وتريده من بغداد إلى صنعاء، والأخرى تقيم علاقات علنية، وتسير رحلات جوية إلى “الكيان الصهيوني”! فلماذا القسوة على الإمارات؟
بالفعل هذا سؤال مشرع، قادت إلى نتيجته الواقعية السياسية، وخارطة المصالح الاستراتيجية التي تبحث عنها كل دولة، ولن أستفيض في هذا الجانب الذي أشبعه المعلقون وصفًا وقراءة، ولكني سأتجه مباشرة إلى ما بدأت به حديثك يا صاحبي، حول تشنج الأقوال والأفعال التي أظهرها البعض عبر المنابر الاتصالية المختلفة، والمبطنة برسائل عنف رمزية تلقفتها العقول البسيطة، واختزلتها في ذاكرتها، وتداولتها عبر أجهزتها، وبدأ الشحن المركز للمستخدمين دون وعي منهم، حتى أضحت عقولهم كما هواتفهم المحمولة مخترقة برسائل يومية تستهدف تشكل رأيهم وصناعة مواقفهم كما يريد المرسل، وهو ما يعرف بالعنف الرمزي.
ويمكن تعريفه بالعنف الهادئ غير الظاهر؛ أي الكامن أو المقنّع، وقد ظهر هذا المفهوم في كتابات عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، ولا ينشأ هذا العنف إلا عندما يسلم المسيطَر عليه عقله، دون وعي منه للمسيطِر، ولا يقتصر هذا النوع من العنف على الجانب السياسي، بل يشمل جميع جوانب الحياة المختلفة، فالتربوي أبًا كان أو معلمًا، ورجل الأعمال، والإعلامي وغيرهم، الجميع يستخدمه بطريقته الخاصة، فالمحلل الرياضي عندما يكتب أو يتحدث أن على هذا الفريق أن يعيق ذلك اللاعب المتميز في فريق الخصم، فتستقر هذه الجملة في عقل بعض اللاعبين، ويدخل المباراة وليس له هدف إلا إلحاق الضرر بهذا اللاعب، منذ بداية المباراة، ويرى أنه بهذا يقدم خدمة خاصة لفريقه حتى يحقق الفوز، وقس عليها ما تشاء من الرسائل التي نستقبلها ليلًا ونهارًا.
ولعل الخطر في وسائل الاتصال بمختلف أنواعها، هو أنها من أهم الوسائل تأثيرًا على تشكيل رؤية الفرد والمجتمع تجاه القضايا المختلفة، فهي قادرة على نشر نمط سلوكي وثقافي واجتماعي وتهيئة الفرد والمجتمع لانتهاجه، بالتوظيف المحكم للمضمون الإيديولوجي من خلال تفعيل آليات التلاعب بالعقول بما تملكه هذه الوسائل من سلطة وعنف رمزيين تتسللان إلى عقول المستخدمين، وتبقى حبيسة فيها حتى تتعرض لمثير خارجي أو داخلي يستدعيها ويفرض عليها الاستجابة لدعوات صادرة من أشخاص أو وسائل اتصال لممارسة سلوك مرفوض، باسم العنف الرمزي، الذي يراه البعض أقل حدة من العنف المادي.
ولهذا السبب ربما تعرضت العديد من الدراسات إلى العنف عبر وسائل الإعلام التقليدية، إلا أن المستحدثات الاتصالية وبالرغم من أهميتها، وكثرة مستخدميها، وسهولة تداول مضامينها، وإمكانية شحنها برسائل ورموز وصور ساكنة ومتحركة ذات ارتباط وثيق بالعنف الرمزي، كما حدث خلال أزمة انفجار مرفأ بيروت، والاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، بحاجة إلى تركيز الدراسات الأكاديمية على هذه الظاهرة المتعددة الأوجه التي غصت بها جدران الفيسبوك، وتويتر، وغيرهما من وسائل شبكة التواصل الاجتماعي، حيث شكلت مجالًا خصبًا وفضاء مفتوحًا سمح لمستخدميه في اعتناق كل أشكال التفكير والتعبير.
قلت لصاحبي:
“مَنْ يسيطر على وسائل الإعلام.. يسيطر على العقول”، فالناس على دين إعلامهم.