د. عبدالله علي النهدي

الإعلام الرياضي منبر التعصب ومنصة الكراهية!!

عادت الحياة مجددًا للملاعب الرياضية بعد التوقف القسري الذي أحدثته أزمة كورونا في الساحة الرياضية، ومع هذه العودة تتطلع الجماهير الرياضية وبمختلف ميولها إلى الاستمتاع بما تبقى من اللقاءات التنافسية بين فرق دوري الأمير محمد بن سلمان، لكنني وفي بداية الحديث يجب أن أعترف لكم بأنني لست أهلًا للخوض في التحليل الفني لما تبقى من لقاءات الموسم، ولا الحديث عن حظوظ الفرق المتنافسة في هذه البطولة، وإنما سأتناول جانبًا آخر يرتبط بتلك المنافسة بصورة خاصة والرياضة السعودية والمجتمع السعودي بشكل عام. سوف أتحدث عن دور الإعلام الرياضي السعودي، وتأثيره على الحركة الرياضية والمجتمع بصورة عامة.

ومن المهم أن نشير إلى أن الكثير من خبراء الإعلام يرون أن الإعلام بمفهومة الشامل وفي كل المجتمعات يعمل على تحقيق عدد من الأهداف، من أهمها: “الإخبار، التثقيف والتوعية، والترفيه” وربما يعتبرون الخروج عن تلك الأهداف هو بداية الانزلاق في وحل التضليل والتعصب. فهل يا ترى أن إعلامنا الرياضي قد حقق شيئًا من تلك الأهداف؟ أو لنقل هل أحدث الإعلام الرياضي تأثيرًا إيجابيًّا على الرياضة والمجتمع بشكل عام أم على العكس من ذلك؟! إن ما يقدمه لنا الإعلام الرياضي في هذه الأيام وتحديدًا ما يدور في البرامج الرياضية، وكذلك من خلال ما يتم طرحه في وسائل التواصل الاجتماعي هو شيء يخرج عن المألوف في غالبه، فقد وصل فيه الاحتقان إلى حد كبير انتشرت معه الكراهية والعداء بين جماهير الأندية الرياضية، بل وإن تعصب الإعلام الرياضي لدينا قد أصبح ميزة يتفرد بها عن غيره من إعلام الدول الأخرى، حتى إن شهرته في التعصب قد وصلت إلى خارج الحدود، وإلى درجة أن كثيرًا من القنوات الفضائية في الدول المجاورة خصصت برامج تهتم بمناقشة شئون الرياضية السعودية على حساب رياضة بلدها!!، ولكنها ربما رأت في ذلك فرصة مناسبة لجذب أكبر عدد من المتابعين، إضافة إلى كونها تتكسب من الاتصالات والإعلانات كمصدر مغري لزيادة دخل تلك القنوات.

أنا لا أدعو إلى الخمول والتبلد لدى الإعلام أو الجمهور الرياضي، فالتشجيع حق للجميع والحماس مطلوب بل هو وقود الأندية الرياضية، ولكن يجب أن يكون إلى الحد المقبول، وحتى المناكفة أو كما يقال (الطقطقة) تبقى ملح المنافسة عندما تكون في حدود المعقول، وكلنا نمارسها ونستمتع بها، ولكن السؤال الأهم مع من نمارسها؟ ومتى؟ وكيف تكون؟ فعندما تكون المناقشات بين الأخوة أو زملاء العمل أو مجموعة الأصدقاء في الاستراحة او في مجموعات الواتس أب أو غيرها من وسائل التواصل، فهذا الشيء معقول ومقبول؛ لأنه يتم في إطار مجتمع صغير وكل فرد فيه يعرف طبيعة من يناقشه، ويعلم حدود ذلك النقاش والوقت المناسب له، كما وأن باستطاعة أي طرف تقديم الاعتذار إذا شعر بأنه أخطأ في حق الطرف الآخر؛ على أنه وفي كل الأحوال يجب ألا تكون النقاشات والمزاح أو الطقطقة مبررًا لاستخدام ألفاظ سيئة أو إرسال رسائل أو مقاطع خارجة عن الدين والأدب.

قد يطرح بين الحين والآخر موضوع التعصب الرياضي ولكن أما أن يكون ذلك على استحياء، أو بتسطيح المشكلة، واستضافة مجموعة من المتعصبين أنفسهم لإيجاد حلول لمشكلة التعصب، ولذلك يتم استخدام الألفاظ المطاطية وعدم الاعتراف بحقيقة التعصب أو تعريفه وتوضيح حدوده بالشكل الصحيح. ولذا مالم نعترف اليوم بالواقع المرير لهذه المشكلة ونطالب بالتشخيص الصحيح لها، ووضع الحلول المناسبة من قبل أصحاب الخبرة والشأن وإلا فسنظل ندور في حلقة مفرغة.
المملكة اليوم قطعت شوطًا كبيرًا في مكافحة الفساد ومحاسبة المفسد أيًّا كان منصبه حتى أصحبت بفضل الله مضرب مثالاً يحتذى به في هذا التوجه ونموذجًا تطالب بتطبيقه كثير من الشعوب، حتى أصبحنا نسمع في أكثر من موقف من ينادي: (أعطونا رجل مثل محمد بن سلمان)، وذلك نضير ما يبذله من جهود في هذا الخصوص، ولكن مع ذلك وبكل أسف أن نجد عددًا من ضعاف النفوس في المجال الرياضي من يغمز ويلمز بل ويتهم مؤسسة رياضية أو لجنة بالفساد أو حكماً بالرشوة، وكل ذلك لتبرير خسارة فريقه لمباراة. وقد جاءت تغريدة النيابة العامة التي تداولها الجميع بعد نهاية ديربي العاصمة كرسالة قوية لرموز التعصب الرياضي كي يعيدوا حساباتهم فيما يقولوا ويكتبوا، وبأن يفرقوا بين المعلومة ووجهة النظر وبين الرأي والاتهام، هذه التغريدة استبشر بها الجمهور المحب لرياضة الوطن بعيداً عن التشنج والقدح والردح واتهام الآخرين والتشكيك في ذممهم وأمانتهم بأن الجهات الرسمية مثل (النيابة العامة، ووزارة الإعلام، ووزارة الرياضة، وغيرها من الجهات المعنية) سوف تضرب بيد من حديد لكل من يسعى لنشر التعصب والكراهية بين أبناء المجتمع الواحد.

وهذه أمثلة لما يطرحه عدد من الإعلاميين على اختلاف ميولهم:
– إعلامي بلغ من الكبر عتيًّا، ولم يدرك تطور الإعلام الفضائي أيام شبابه، فتجده يتراشق مع زملائه في البرامج التلفزيونية أو يتجادل في توتير مع شباب مراهقين في عمر أحفاده، وللأسف ربما تجده يستخدم ألفاظًا نابية وخارجة عن الأدب والذوق العام.

– إعلامي عمله الأساسي تربوي وتفرض عليه مهنته تهذيب سلوك تلاميذه، بينما تجده وعبر الفضاء وعلى مسمع ومرأى منهم يبث سموم التعصب، ويطلق ألفاظًا مهينة على زملائه، ويطالب بتوقيع أقسى العقوبة لمنافسي فريقه في أسهل الأمور، بل قد تصل إلى حد المطالبة بشطب الأندية المنافسة لناديه، وفي المقايل تجده يهون ويبرر للكوارث التي يحدثها فريقه.
– إعلامي قانوني وتجده يظلل المتابعين ويلوي عنق القانون كي يقنع المتابعين بقوة موقف فريقه وضعف موقف الآخرين، وزيادة على ذلك تجده يقذف منافسيه ويوجه إليهم التهم بشكل مباشر، بل ويهاجم ويتهم مؤسسات رسمية دون حسيب أو رقيب لمجرد خسارة فريقه، ولو تم بحقه تطبيق القانون الذي يدعي معرفته لربما تم حرمانه من الظهور في وسائل الإعلام.
– حكم سابق حمل صافرة العدالة لسنوات طويلة في الملاعب، ويطل اليوم على المشاهدين يحلل الأخطاء التحكيمية في المباريات، ولكن بعقلية المشجع المتعصب. يحاول إقناعك بان الظلم وقع على فريقه المفضل، بينما الفرق الأخرى استفادت من تلك الأخطاء. يتناقض في حكمه على نفس الحدث من مباراة لأخرى، بل ربما يعطي رأيًّا مختلفًا لنفس الحالة التي تكررت في مباراة واحدة، فالرأي عنده لا يرتبط بقانون اللعبة وإنما بمن هو الفريق المخطئ ومن المستفيد.
– معلق رياضي تجده يصرخ بأعلى صوته ويغرد بأحلى العبارات، ويتغنى بأجمل أبيات الشعر عندما تنطلق الكرة من قدم أحد لاعبي فريقه المفضل حتى وإن وصلت تلك الكرة للمدرجات أو تجاوزتها، بينما تجده يغط في سباته أو يتكلم بنبرة هادئة يشوبها الحزن ويكاد يختنق عندما تعانق الكرة شباك فريقه المفضل.
– إعلامي يدعي الطيبة وحرصه على مستقبل الرياضة السعودية وفي نفس الوقت تجده يدعو، ويتمنى فوز فريق وخسارة آخر أو هبوط فريق كبير للدرجة الأولى غير آبه بمشاعر جمهور ذلك الفريق.
لا تحاولوا خداع الجمهور بمقولة الإعلام الحديث وكثرة البرامج الرياضية هي التي أسهمت في تطور الكرة السعودية، فهذا الكلام عار من الصحة؛ لأن الكرة السعودية اعتلت منصات التتويج منذ أربعة عقود وفي ظل الإعلام التقليدي المتزن. فالمنتخبات السعودية لكرة القدم وبشتى فئاتها السنية سطرت ملاحم النصر بدءً من التصفيات الأولمبية في سنغافورة 1984م، وأتبعها المنتخب الأول بالفوز بالكأس الآسيوية ثلاث مرات، وتوالت بعدها البطولات على كافة الأصعدة وأهمها التأهل لنهائيات كأس العالم أكثر من مرة، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك إعلام محتقن أو محرض للجمهور، ولم يكن الجمهور يشجع لأجل لاعب بعينه، بل لم يكن يهتم بمن يسجل الهدف بقدر اهتمامه أن يكون الفوز من نصيب المنتخب، بينما في ظل الإعلام الحالي سمعنا ورأينا العجب!! فهناك من يتمنى هزيمة أندية تمثل الوطن بحجة أنها منافسة لفريقه وأن ذلك يعد من باب الحرية الشخصية، وهذا شأنه!! ولكن على الأقل (إذا ابتليتم فاستتروا)، بل الأدهى والأمر أن هناك من يتمنى خسارة المنتخب إذا كان الفوز سيأتي بغير أقدام لاعبي فريقه المفضل.

خاتمة:
نتمنى أن تعود بل وتدوم الفترة الزمنية الوجيزة التي تخلى فيها الإعلام الرياضي عن التعصب وعشنا خلالها أيامًا من الهدوء عندما التزم الجميع الحياد؛ ألا وهي فترة (الله هداهم…..).
—————————-
• عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button