المقالات

رحيل المؤرخ قينان الزهراني

بالقلم الأحمر

ليس بالأمر الهيّن بسهولة العبارة، أن تودع بحروف مكتوبة من كان أنيس مجلس هو فيه، حتى وأنت في وحدتك، وليس بالأمر السهل أن تستجمع كل ما كان في أعماق ذاتك الفكرية ومكونات ذائقتك الأخلاقية التقاربية إلى حد أنك تستطيع أن تجد نفسك في من رحل كاتب تكتب عنه أو تُذكر، وتتذكر مواقف وحكايات حوارات في مسامرات بمساحة زمنية ليست بالسهلة في عدد عقودها عشتها معه، وهذا ما يدور في دائرة فكري عند تعبيري بموضوع كهذا عن من رحل من دنيانا الفانية، خاصة وهو من أصحاب الابتسامة الدائمة، بوجه بشوش، وكلمة في عبارات جميلة، يحسن التعامل والعمل الأمين في قوله وفعله، العصامي، الباحث، المؤلف، الصديق، الصدوق المؤرخ قينان بن جمعان الزهراني -رحمه الله- وغفر له، وأسكنه المولى حياة برزخية منعمة، وجعل مثواه الفردوس الأعلى.

من يستعرض خلق وأخلاق أبي عبد الرحمن – قينان بن جمعان الزهراني – سيعجز في وصف ذلك، ومن قدر له أن يبحث مؤلفات المؤرخ قينان بن جمعان الزهراني سيجد فيها ربطًا عجيبًا بين الأصالة والمعاصرة، من غير أن يخرج رسمه عن النصوص القديمة في مكان وزمان إنسان ما يتناول بأسلوب بعيد عن المحسوبية.. ولعلي أوفق في تقديم قراءة متكاملة لكل مؤلف أصدره بما يوفقني الله لذلك، وبما بيني وبينه من تقارب فكري وتعامل انساني على مدى عقود مضت.
لقد عرفت مؤرخنا قينان -رحمه الله- منذ زمن بعيد، وكنت ممن يتابع ما يكتب من مواضيع تاريخية في بعض الصحف والمجلات السعودية أو كان ذلك ما ينشره في منتدى “الديرة” الإلكتروني الذي قام بتأسيسه بالشبكة العنكبوتية، وكانت لقاءاتنا أشبه ما تكون بالحوليات في مناسبات متباعدة.. لكننا نلتقي في ذلك الموقع بما يكتب، ويطرح ويناقش مع ثلة من المفكرين والكتاب والأدباء من قبيلة زهران وغيرها من القبائل والمناطق والمدن، فلم أجد له أي تصادم مع أحد من الأعضاء ينتقد او يعترض على معلومة قام بنشرها، بل كان الأب والأخ الكبير والمعلم في أبوة لجميع الأعضاء جميعًا، لأنه -رحمه الله- كان يهدف إلى زيادة معارف الآخرين، والاستفادة بما يكتب في ذلك الموقع الثري الذي لازال يمد الباحثين بالمعلومات القيمة الصحيحة.

ترسخت علاقتي معه -رحمه الله- بعد انتقال عملي من الرياض إلى جدة وسكني فيها مع نهاية العقد الثاني من القرن الحالي، فكنا نلتقي في أغلب الأمسيات في مناسبات تجمعنا بأدباء ومؤرخين وكتاب.. يتقدمهم المؤرخ أحمد علي، والمؤرخ سعيد العسعوس رحمهم الله، يستمر التلاقي خارج ذلك تارة في دارة، ومرة اشرف به في منزلي، وأخرى عند الأصدقاء والمعارف في مناسبة عامة مع ثلة واثبة متميزة من إعلاميي زهران في محافظة جدة، في مسامرات عند أي منهم – لا يتسع مساحة الموضوع لذكرهم، لكنني فيما سوف أقوم به من مؤلف عن فقيد الجميع المؤرخ قينان الزهراني رحمه الله، سوف أذكرهم بل وسيكون لكل منهم دور في ذلك السفر عن أبي عبد الرحمن رحمه الله أو كنا نلتقي في دعوات خاصة عند محبيه وما أكثرهم، وفي أحايين كثيرة ألتقي به هاتفيًّا لبحث موضوع سواء عن إصدار جديد له، إذ كان أسعد ما يكون أن يحدثنا عن مؤلف تاريخي جديد..، أو عن تراكماته المعرفية بالرجال وتاريخهم مع ما يفكر في تنفيذه في قابل الأيام، أو عن مراحل من حياته السابقة، لأن أخونا المؤرخ قينان -رحمه الله- لم يكن منعزلًا عن الآخرين منذ أن شب والتحق بالعمل، ثم أن لديه ذاكرة تاريخية قوية أهلته للحديث عن قصص الأقدمين من مجتمعنا فيما يتحدث عنه محددًا تاريخ، ووقت حدوث ما يتكلم عنه مع وصف المناسبة بالحضور وفيها من مناشط سواء شعر أو سوالف كلها ذات فكر وروح نقل أحداث؛ وكأنك حاضر المناسبة – لعل أرشيفه يحتفظ بتلك القصص والمدونات فكنت ممن يذكره بتدوينها فيرد علي موجودة – وما أكثر ما يحدثنا عنه من تجاربه من مجالساته للآخرين.

وفي أحايين أجده في مؤلفاته وبين كتبه وكأنه يتحدث بأسلوب جميل رصين أمين في نقل المعلومات بالإسناد الذي يثبت لمن كتب ما قدم، وكان -رحمه الله- عند الحديث والتحدث عن شخوص ممن استفاد منهم فيما ألف، وهو يحدثنا كأنهم حاضرون في الموقف التاريخي الذي يجيد تصويره بشخوصه في سرور منه بابتسامة اعجاب بمن يحدثنا عنه وكأنه يحاكيه، وهذا فن فطري في روحه الأمينة، قل من يجيده لجذب انتباه الجالسين.. هكذا كان فقيدنا المؤرخ قينان -رحمه الله- وغفر له.
لقد كان أبو عبد الرحمن رحمه الله ممن يجيد رواية التاريخ بأسلوب قصصي متتابع الأحداث، ولايجد ما يعيب أن يرد على من يطرح موضوع ليس مطلع عليه ان يرد بأنه لم يطلع على ذلك في كتاب تاريخي أو من أحد في منتدى أو مجلس، ولكنه يردف ومع ذلك سوف أبحث فيما لدي من مؤلفات عن تاريخ من سبق.

رحم الله الصديق الصدوق أبا عبد الرحمن الذي غادرنا من غير أن يودعنا، فقد كنت على موعد معه في العام الماضي بزيارة تهامة زهران ويطلعني على قلاع قصور بن موالا بيت مشيخة، وكان يقول لهم تاريخ لم يكتب، ثم نتجه إلى صديق دربه في سراة زهران بني عمر المؤرخ علي بن سدران ليعرفني عليه ثم نبحث معه، كما يقول عن جديدة فقد كان يثني كثيرًا على المؤرخ بن سدران إذا يقول لديه وثائق وتاريخ لم نجده بعد ومن أراد ان يتأكد مما أقول – هكذا كان يقول عن بن سدران المؤرخ – فما عليه إلا أن يقرأ بعمق مؤلفه بطون قبيلة زهران شيوخها واسواقها شداتها..، سيجد فيها وثائق ومعلومات أجزم أن لها ما يكمل ماقدم لازال في أرشيفه، ولعله يطالع القراء به في أقرب فرصة.
لكنها جائحة كورونا أفقدتنا الكثير من الأحبة ففقدنا معها ماكنا نريد أن نحققه وأفقدتنا من نتحدث عنه، عزاؤنا في أبي عبد الرحمن أنه شهيد بإذن الله تعالى.
ماذا بقي لي أن أقول عن المؤرخ قينان بن جمعان الزهراني رحمه الله؟
لم يبقَ لي أن أقول إن ما قلت آنفًا هو نقطة في بحر علم وخلق الرجل.. لعلي ومحبيه نقدم عنه دراسة تكون مرجعًا عنه ومرشدًا لكتبه، وفي ذات الوقت نبراسًا به يقتدى في مجتمع زهران الولاد بالرجال الطيبين عبر التاريخ منذ مولد جدهم زهران إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى