في الهواتف الذكية، كل فترة يصدر تحديث، ويكون فيه إضافة لمميزات، أو إصلاح لعيوب، أو تحسين عام للمنتج، أو حتى إغلاق للثغرات الأمنية، هذه التحديثات هي اختيارية، والبعض يختار عدم تثبيتها.
المشكلة أنه في حال عدم التحديث، بعد زمن ستصبح الأشياء لا تتوافق مع نظامك القديم، وستصبح ناقمًا على هاتفك، وغير قادر على الاستفادة من مميزاته، ستكون عيوبه كثيرة، وقد يكون صيدًا سهلًا للمخترقين.
بالمختصر من المستحسن أن تثبت التحديثات أولًا بأول.
هذا في هاتف محمول عمره الافتراضي ٥ سنوات، فما بالك بالإنسان الذي قد يعيش حتى مئة عام ؟!، أليس هو أجدر بالتحديثات ؟، أليس أجدر بإضافة مميزات لنفسه ؟ وإصلاح عيوبه ؟ وتحصين نفسه ضد ما قد يضره ؟
نعم يا عزيزي القارئ، الحياة فيها لعب ولهو وعمل وصبر وفيها أيضًا تطوير للنفس واكتساب مميزات وإصلاح عيوب. وفيها زيادة في العلم والوعي ضد كل ما قد يلوح في الأفق من الفتن التي تخترق عقول الناس وأفئدتهم.
إن الشخص الذي يصل مرحلة معينة مع العمر، بعد اكتمال تعليمه وبلوغه رشده واستقلال قراره، هو كمثل الهاتف الذي يخرج من المصنع، مجهزًا بكل ما يحتاج إليه في وقت اكتمال بنائه. والباقي يعود إليه في استثمار ما بقي من سنينه كيفما شاء.
نعم يا عزيزي القارئ، عليك كل فترة وفترة (ولعل بدايات الاعوام فرصة مناسبة) أن تراجع نفسك، وتبحث عن مميزات كذلك، كالتعود على عبادات أو عادات حميدة، أو اكتساب علم او مهارة جديدة، أو اكتساب هواية أو مجال جديد، أو القيام بأي أمر إيجابي في حياتك.
وكذلك عليك ان تستشعر عيوبك، وتضعها في قائمة، كالتدخين أو عدم ممارسة الرياضة أو زيادة الوزن أو أي صفة أخرى غير حميدة، كالتدخين أو سلاطة اللسان أو أي سلوك آخر قد يضر الشخص أو يضر غيره. فكل هذه العيوب تتراكم لتقلل من عمرك الافتراضي، وتجبرك على طلب الصيانة (إن صح التعبير) في وقت أبكر.
وبذلك تعد قائمة قصيرة لأهداف ينبغي عليك اكتسابها وعيوب ينبغي عليك إصلاحها خلال عامك الجديد؛ ليكون ذلك هو التحديث الخاص بك.
كذلك عزيزي القارئ يصح أن تراجع تفكيرك وقناعاتك وأفكارك كلما تغير الزمان، وتستشعر هل هي صحيحة بناءً على اسباب موضوعية أو لا، والحرص من عدم المكابرة على الخطأ، أو الرضوخ عن الصواب، وهذا ما يماثل التحديثات الامنية في هاتفك المحمول.
وكالجوال تمامًا إن لم تقم بالتحديث، فعلى الأرجح أنك ستصبح غير متوافق مع أقرانك ومحيطك ومجتمعك وزمانك، ستكون مثل الكثيرين غيرك ممن يلومون الزمان على كل مشاكلهم وآفاتهم، والبعض منهم هو في حقيقته مشكلة الناس في زمانه، فحساب النفس أولى وأسمى من حساب الناس.
نعود للمقارنة بالهاتف، ونتذكر أنه، وبرغم ملازمة الهاتف لمالكه لسنوات، إلا أنه لا يجد حرجًا في استبداله والحصول على غيره، حين يصبح غير قابل للتحديث والتجدد، وبذلك يصبح ذلك الهاتف حبيس الأدراج.
عزيزي الإنسان، أنت من تحدد عمرك الذهني، وأين تتوقف عن النمو العقلي والذاتي، أنت من يصنع مستقبلك، وأنت من يمهد دروبك إن شئت، وإن شئت أيضًا فأنت من يملأ طريقك بالحفر، وأنت من تنظر للزمان حين يسبقك عندما تصبح غير قابل للتطور. فلا تعش بالماضي فلم نُخلق جمادات، وتفاعل مع حاضرك، وجهز لمستقبلك، وكل ذلك بخطوات صغيرة. تصنعها بداية العام، وتراجعها في الأعياد ونهاية العام لتتاكد أن التحديثات يتم تنزيلها، وتثبيتها بالشكل المناسب.
وكل عام وأنت بخير.