استفزني أو ألهمني -لا أعلم – مصطلح مررت به في التحليل النفسي، ولعل الكثير يعرفه وهو مصطلح “النكوص”، وقد أخذ الكثير من المهتمين هذا المصطلح كل بما يخدمه وجال كثيرًا في أوساط العلماء أو هم جالوا فيه؛ ليحللوه ويفتتوه بين أسباب وأعراض وعلاج، وأمعنوا كثيرًا في أسبابه، وهي من أكثر الأبواب طرقًا وأوسعها بحثًا.
النكوص يعني التخاذل والتراجع والعودة إلى درجة أقل في سلّم الحياة والوعي والاهتمام، ومن خلال هذا الإيضاح المتكلف يتبين أن النكوص إحجام بعد إقدام ورجوع بعد تقدم أي أنك تتراجع بوعي وقناعة عن مكانتك الحالية إلى مكانة أقل، ومن منزلتك إلى منزلة أدنى.
لك أن تتخيل عاقلاً حصر اهتمامه وفكره في “ألف باء” الحياة التي يجتمع في الاهتمام بها مع الحيوان مثلًا كالأكل والشراب بلا مسوغ، وهذا بلغة عامة موجزة ما يرمي إليه المصطلح حتى إن علماء النفس كثيرًا ما يستشهدون بالسجناء في هذا الصدد، وأن السجين في تلك العزلة لا يهتم كثيرًا بما عدا ذلك بسبب الظرف الذي يعيشه مع أنه في سابق عهده قد يكون ممن بلغ منزلة عالية في سقف الاهتمامات وعلو الغايات، وهذا تفسير النكوص والانثناء وحالة التراجع التي مر بها وكيف كان وما إليه صار.
ومن النكوص كذلك تقهقر البالغ إلى المرحلة العمرية السابقة والطفل ذو العشر سنوات إلى مرحلة الطفولة المتقدمة، وهكذا يقوم النكوص على عيش حياة أقل مما يفترض أن يعيشه، وتجد طفل تعدى مرحلة التبول اللا إرادي بسنوات، ولازال يعاني تلك المشكلة كما نرى كثيرًا في صفوف الأطفال اهتمامًا مبالغًا فيه بنوع معين من الألعاب التي لا تتناسب نهائيًّا مع مرحلته العمرية، وقس على هذا الكثير من الأمثلة الموازية.
ألم نسمع بالمراهقة المتأخرة؟ هي بطريق أو بآخر قد تلف لف النكوص، وتدخل في بابه.
الإحباط وعدم القدرة على تخطي المشكلات من أبرز الأسباب كما ذكر المختصون، فيكون الارتداد وسيلة ناجعة كما يراها أولئك لتخفيف الضغط على النفس، وتقليل التأزم الداخلي كما أنه سبيل للخروج من طرح الملامة بين حين وآخر.
يرى الباحثون أن النكوص بين دائم وعرضي، ويتشكل العرضي بتشكل المؤثر، وينتهي بنهايته ولا يشكل خطورة لحصوله بمسبب مؤقت يزول بزوال الأخير في حين أنهم يقفون كثيرًا على ذلك النكوص الدائم وتلازميته خاصة في أعمار الأطفال، وإمكانية تطوره ليصبح مشكلة مرتبطة بذلك الطفل، وكيف لها أن تتحكم في علاقاته وطريقة تعامله مع المشكلات مستقبلًا
هذا النوع للأسف ليس خاصًا بالأطفال فقط، بل يصيب الكبار، وقد يتخذوه سلم نجاة وطريقة حياة للخروج مما يعانوه وحلًا لما يعيشوه من أزمات ومشكلات.
ختاما…. يمكن القول إن النكوص لدى الأطفال وسيلة لجلب الاهتمام، وفي صفوف الكبار طريقة للخروج من حالة يأس وموجة إحباط.
غرّد بــــ
هل تعلم أن النكوص حل لمن يعيشه، ولكن حلًا لايعتمد عليه ؟
رياض عبدالله