حفرت القضية الفلسطينية مكانًا عميقًا بوجدان العرب والمسلمين عامة والسعوديين خاصة، وظلت قضية السعودية الأولى التي لن تتغير حتى تعود فلسطين، وهذا ارتباط ديني وتاريخي فالقدس ثالث الحرمين الشريفين، ومسرى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومعراجه رضعنا حبها مع حليب أمهاتنا هذا مايجب أن يعلمه القاصي والداني وأولهم من الفلسطينيين أنفسهم، وأنه حتى لو تخلو هم عن فلسطين فلن نتخلى نحن عنها، وهذا موقف المملكة العربيةالسعودية ملكًا وحكومةً وشعبًا، وهو موقف ولله الحمد نَشُرف به ونفخر.
أقول هذا لأنه في هذه الأيام تتداول وسائل الإعلام المختلفة ردود الافعال على إقامة علاقات مع العدو الصهيوني؛ لتخرج لنا سوء الطوية وخبث النية لدى بعض القادة الفلسطينيين والمسؤولين في الفصائل الفلسطينية بالسب والشتم، وأنهم باعوا فلسطين، وخانوا القضية وغيره من القيح المنتن في قلوبهم متجاهلين ومغفلين موقف المملكة العربية السعودية الثابت من القضية الفلسطينية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وإلى يومنا هذا، ورغم أن المملكة أوضحت على لسان سمو وزير الخارجية موقفها الدائم والثابت، وأنها متمسكة بالمبادرة العربية للسلام مع إسرائيل.
وبغض النظر عن الذي طبع والذي لم يطبع مع إسرائيل؛ فإنه كان يتعين على القادة الفلسطينيين أن يكونوا عقلاء، وأن يتصرفوا باحتراف سياسي مع ما يقع من أحداث، وأن يحافظوا على ماتبقى لهم من أشقاء ولكنهم ولأسباب قد لا يجهلها أولى النهى يتهموننا زورًا وبهتانًا ببيع قضيتهم والعمالة مع إسرائيل، الأمر الذي يثير علامات استفهام كبيرة وكبيرة جدًّا، هل هذا يعد عملًا مدروسًا وممنهجًا منهم؛ ليدفع السعودية أن تتخذ ردة فعل تتطلع لها إسرائيل، وترجوها (لمعرفة إسرائيل بثقل السعودية ومكانتها) ، ألا يعلم هؤلاء أن السعودية حكومة وشعبًا أكبر من أن تستزلها أو تستدرجها وتنطلي عليها مثل هذه المؤامرات ألا يقرأون التاريخ لابن هذه الجزيرة القح الذي يموت لأجل مبادئه، أم أنها حماقة وجهل مركب عندهم. ألا يعلم هؤلاء أننا في السعودية، وغيرنا في الخليج والبلاد العربية يعرف تمام المعرفة من من ممثلي الشعب الفلسطيني وقادته تاجر بالقضية، وتكسب بها وأن حساباتهم البنكية وعقاراتهم بأوروبا وأمريكا هم وزوجاتهم وأبناؤهم تشهد بذلك وتثبته.
ومما يؤسف له أن يتنكر هؤلاء لشعوب الخليج، وينسفون كل المواقف والمساهمات والتضحيات التي قدمها، ويقدمها الخليج وأهله، ويقلبون لهم ظهر المجن، وهذا السلوك ليس جديدًا فقد وقفوا مع صدام حسين وهللوا وكبروا له حين اجتاح الكويت، وصفقوا وهللوا لصواريخه حين ضربت السعودية متناسين مواقف السعودية والكويت وخيراتهما عليهم ومئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون فيهما.
ومما يؤسف له أكثر أن إعلامنا وكتابنا لم يواجهوا هذه التهجمات ببنت شفة، ولا أعرف لما هذا السكوت وعدم المواجهة لمثل هذه الافتراءات وهذا التجني، ولذلك فإن الواجب أن تزال الأقنعة وتُعرى المواقف، وأن يميز الخبيث من الطيب، ويجب أن يعرف الجميع المواقف الصحيحة والحقيقية فنحن لا نطالب الإعلام أن يقلب الحقيقة كما يفعل غيرنا، نحن نطالب الإعلام أن يكشف الواقع، ويقول الحقيقة فقط، وليس غير الحقيقة، ويسلط الضوء عليها أليس هذا من أبسط الحقوق.
همسة في أذن:-
⁃ إخواننا الفلسطينيين لن تستعيدوا أرضكم، وتطردوا عدوكم حتى تستعيدوا أنفسكم وعقولكم التي سلمتموها لمن تاجر بها، وتكسب بها.
⁃ عليكم أن تعيدوا النظر فيمن يمثلكم من قيادات لتعرفوا جذورهم ومعتقداتهم وولاءاتهم؛ ولتختبروا إخلاصهم أهو للقضية أم ضدها.
⁃ وأن عليكم أن تتحركوا وبسرعة قصوى للمحافظة على ماتبقى لكم في قلوب إخوانكم العرب والمسلمين عامة والسعوديين؛ خاصة فقاداتكم وأبواقكم يفجرون الجسور التي تربطكم بهم وأخشى أن يأتي اليوم الذي يقال لكم فيه (الصيف ضيعت اللبن).
⁃ لاشك أن هنالك فلسطينيين شرفاء أوفياء يجب الإشارة لهم، وأن لا نغفلهم، وإن كانوا مغيبين عن المسرح السياسي والإعلامي.
⁃ وهمسة أخرى عالية ومدوية للشباب السعودي أن لا يلتفتوا للسفهاء الذين يسيئون للمملكة العربية السعودية ولا ينزلقوا في مستنقع المهاترات التي تضر ولا تنفع و تهدم ولا تبني ويثقوا أن مواقف السعودية حكومة وشعبًا ثابتة كثبوت جبالها، وأنها بُنيت على أساس من الدين والمُثل العربية السامية، ولن تتزحزح عنها قدر أنملة وأن هذه الاتهامات والافتراءات على السعودية لا تعدو أن تكون زوبعات إعلامية مأجورة لا تلبث أن تموت وتنتهي، وأنها لن تؤثر أو تغير شيئًا، وكما قال سبحانه وتعالى: ( ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) وأن العاقبة لنا ولمبادئنا، وسيسجل التاريخ بمداد من ذهب تلك المواقف المشرقة والمشرفة التي يفتخر بها كل سعودي، ويذكرها كل حر.