د. عبدالله العساف

معركةٌ بلا راية

قال صاحبي مرّ خليجنا العربي خلال أقل من شهرٍ بعواصف إعلامية، تجاوزت المعقول والمقبول، والمسموح به، وتجاوزت الشارع إلى من يغذي الشارع، ويشحنه بالبارود، زيادة على ما يحمله من احتقان فطري، تجاه عرب الخليج!! ولعلي أتساءل هنا أين كانت هذه الأصوات النشاز قبل اليوم؟ وهل يحق للدوحة مالا يحق للمنامة؟ منذ أكثر من عقدين وقطر تقيم علاقات تسمى تجارية مع إسرائيل، وباطنها علاقات كاملة تؤكدها الزيارات السياسية رفيعة المستوى بين الجانبين! لماذا تسل سيوف الإعلام المؤدلج، وتبرى السهام لترمى بها دولة الإمارات ومملكة البحرين، وهما يمارسان عملًا سياديًّا سبقهما إليه كل من مصر والأردن، والبقية في السكة.

تحدث كوشنر قبل عدة أيام من أبو ظبي عن الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل، وأطلق جملة تمنيت التقاطها ممن يهمه أمر فلسطين، تحدث عن فرصة مهمة للفلسطينيين بالتوجه إلى طاولة المفاوضات، وإلا لن ينتظرهم العرب، الذين يدرسون إقامة علاقات مع إسرائيل، ولأن الحديث عما قامت به الإمارات والبحرين يندرج تحت المصالح العليا والسيادة الوطنية، أيضًا للفلسطينيين ومن خلفهم سلطتهم سيادتهم الخاصة في كيفية إدارة قضيتهم، وليس لأحد التحدث نيابة عنهم كما قررت هذا وأكدت عليه الجامعة العربية منذ ما يزيد على خمسة عقود، وأعاد التأكيد عليه خلال الأيام الماضية أبو مازن وغيره من المسؤولين في السلطة.
ولا تخلو النظرة تجاه أبو ظبي والمنامة من التنمر والتطرف، ضد حقهما المشروع، فمن يرصد ما ينشر في الإعلام الأصفر عربيًّا كان أو أعجميًّا، لا تكاد تخطئ سمعه وبصره العبارات المصنوعة والمنتقاة لإثارة الرأي العام العربي وتوجيهه، كما يريد من يقف خلف هذا الإعلام، فالرسائل واضحة، والكلمات اتخذت صفة الشعارات السياسية التحريضية التي تحمل في أحشائها معاني مسمومة، تناست ما قدمته هذه الدول شعوبًا، وحكومات من أجل القضية.
ولعل الخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني الذي صُنع رأيه عبر الفضاء الإلكتروني، واسُتخدم كأدوات لمعركة لا تخصه، ولن تعود عليه بالنفع، ولن تزيده إلا بُعدًا عن محيطه العربي والخليجي خصوصًا، الذي وقف مساندًا له، ولازال لديه الاستعداد بمواصلة العمل من أجل فلسطين وأهلها، ولكن من يحرك بيادق الشطرنج مازال يضخ رسائله التخديرية حتى لا يفيق هذا الشعب، ويكتشف الحقيقة التي تفقد المستفيدين منه ما جنوه من مكتسبات في ظل الغيبوبة الشعبية، وحقن الشعارات الوهمية.
مملكة البحرين نظرت بواقعية سياسية مجردة من العواطف، أدركت أن السلام حقق للعرب أكثر مما حققته الحرب، بل إن الحرب لم تجن على العرب إلا الخسائر المادية والبشرية، والسياسية، فعن طريق السلام عادت سيناء إلى مصر، وعن طريق السلام أصبحت إسرائيل مرحبًا بها في المنطقة، وعن طريق السلام نستطيع استثمار وتشارك مميزاتنا في مقابل المميزات التي تمتلكها إسرائيل.
لذا قررت البحرين الذهاب إلى المستقبل بخيارها الاستراتيجي عبر مركبة الاتفاق والسلام مع تل أبيب دون تفريط بالمبادئ أو مساس بالمواقف، بل حظي الاتفاق برعاية أميركية رفيعة المستوى من أجل تثبيت الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ولهذا فإن القرار البحريني رجّح المنطق، وطوى صفحة الزمن للانتقال إلى جبهة جديدة للدفاع عن حق الشعب الفلسطيني الشقيق، وهذه الجبهة تقوم على سلاح الحوار لا حوار السلاح، وهذه الخطوة الشجاعة تحسب للقيادة البحرينية بإضافة لبنة جديدة للسلام في المنطقة.

وغني عن القول كل من يعرف الشخصية البحرينية يدرك إيمانها العميق بالسلام كنهج وكغاية على المستوى الشخصي، والرسمي؛ حيث لم تتوقف الجهود الدبلوماسية للمنامة في سعيها الدؤوب لإيجاد حلول للصراعات في منطقتنا فحسب، وإنما أيضًا المساهمة الكاملة على مدار عقود في دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه؛ لأنها تعتبرها ثوابت عربية لا يمكن الحياد عنها، ولا يسع المنصف إلا أن يقول إن هذه المعاهدة بين البحرين وإسرائيل ليست على حساب الفلسطينيين بل لحسابهم، ومن أجل ٱحياء المبادرة العربية ودفعها مجددًا للواجهة من أجل دولة فلسطين.

قلت لصاحبي:
التخدير الطبي هو تعطيل إحساس المريض بإرادته لمدة قصيرة، والتخدير الإعلامي هو استلاب تفكير وأحساس المتلقي دون وعي منه حتى هلاكه.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button