شاءت الأقدار أن أسست محلًا تجاريًّا للبيع بالتجزئة، وهي تجربة جديدة كليًّا بالنسبة لي، وكنت في بعض الأحيان أتناوب مع المحاسب على الصندوق، وفي ذات مرة دخلت المحل سيدة، وأخذت تتجول وتسأل عن الأسعار، وفي كل مرة كانت تناديني “بكم هذي يا محمد” حتى بلغ مني الأمر مبلغه… فقررت أن أستكشف ردة فعلها فيما لو سميتها بغير اسمها… أمسكت بإحدى القطع الموجودة في المتجر، ووجهت لها الكلام بشكل مفاجئ … “شوفي هذي القطعة يا أخت حمدة، سعرها مناسب وربما هي ما تبحثين عنه” … قطبت حواجبها فأجابت بصوت منفعل .. “أنا اسمي مو حمدة” فأجبتها “وأنا اسمي مو محمد”. غادرت المحل في انزعاج، وهي تقول ” طيب عرفنا”.
ما أردت قوله إن البعض يفتقر إلى أساسيات الذوق العام في التعامل مع الآخرين… وقد لا يكون لهم ذنب في ذلك فلربما نشأ الشخص في بيئة ضحلة يتجاهل فيها الفرد ما عليه من واجبات تجاه الآخرين.. ولكن في المقابل لا يتنازل عن ما له من حقوق لدى الآخرين. إن أدبيات الذوق العام، وما يشمله من سلوكيات مجتمعية مختلفة يجب أن تغرس كسلوك شخصي في سن مبكر. كان يشتمل التعليم المبكر في رياض الأطفال ومراحل التعليم الابتدائي على منهج مكثف معد بعناية لغرس، وتنمية هذه القيم المجتمعية. يجب أن ينشأ أبناؤنا على أن احترام الوقت والوقوف في الطابور بشكل منتظم واحترام الرأي الآخر، وتقبل اختلاف وجهات النظر واختلاف الثقافات المجتمعية وغيرها من السلوكيات الأخرى التي أنشأت من أجلها لائحة الذوق العام في المملكة العربية السعودية هي ضروريات حياتية، وليست أمورًا اختيارية في حياتنا الشخصية.
إن النظام الاجتماعي ينشأ من سلوك الأفراد.. فمتى ما استقام سلوك الأفراد … ينشأ نظام اجتماعي سوي يصبح راقيًّا ويكفل لكل فرد حقه وفي إطار ودي دون أي منازعات.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة… فهو القائل: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وهو القائل عليه أفضل الصلاة والتسليم: “الدين المعاملة”.
فايز الأنصاري