يقال إن الإدارة سهلة لولا أن فيها إدارة الناس، الأمر الذي يعني أن صعوبة الإدارة تكمن في كيفية التعامل مع الناس وخاصةً مع ممن هم في بيئة عملك، أما عدد المباني وحجمها ونوعية الأجهزة والمعدات وكافة أصول وممتلكات المؤسسة، فالإشراف عليها ليس بالأمر الصعب، ولكن الكثير من الناس يؤمن فقط بصحة الجزئية الأولى من المقولة السابقة وهي بأن (الإدارة سهلة)، بينما يعتبرون (إدارة الناس) هي الأسهل ومن الأمور المقدور عليها حالما يتسلم الفرد زمام الإدارة، كما أن الكثير من الموظفين وتحديدًا من المرؤوسين في المؤسسات الحكومية والخاصة يعتقدون بأن المدير هو أكثر الأشخاص تمتعًا بالراحة، بل ويعدونه أقلهم عرضةً لضغوط العمل؛ فهم يرون أن المدير أقل الناس جهدًا في المؤسسة؛ حيث يستطيع تكليف اي شخص للقيام بأية مهمة يحتاجها وفي أي وقت كان. ولذا يجب ألا نستغرب عندما نجد موظفًا يتمنى ويحلم بل ويعد الأيام منتظرًا بفارغ الصبر اللحظة التي يصبح فيها رئيسًا لقسم ما، أو مديرًا لإدارة معينة يأمر فيها وينهى كما يريد، وهذا في الحقيقة اعتقاد خاطئ لا يدركه المرء إلا عندما تقوده الأقدار لإدارة مؤسسة ما، أو لرئاسة وحدة إدارية حتى وإن كانت تلك الوحدة صغيرة الحجم.
فعندما يصبح الشخص مديرًا، ربما يتذكر الأيام الخوالي التي قضاها داخل المؤسسة قبل أن يتولى زمام الإدارة، ويتمنى لو تعود به الأيام إلى الوراء كما كان في السابق مرؤوسًا، لا علاقة له إلا بمهامه التنفيذية التي كان يؤديها بعيدًا عن أعمال الإشراف والمتابعة والرقابة والمحاسبة التي تلاحقه حتى في خارج وقت الدوام، بل وربما تطارده في منامه. ولذلك يقول أحد المهتمين بالشأن الإداري: “أنت مدير جديد إذًا عظم الله أجرك وأحسن الله عزاءك”؛ بمعنى لا تفرح بالتبريكات والتهاني التي تنهال عليك عندما تتسلم منصبًا إداريًّا، وبالذات عندما يكون للمرة الأولى، بل عليك أن تنصب خيمتك لتقبل العزاء في أيام الراحة والهدوء التي عشتها سنوات طويلة في ممارسة الأعمال الروتينية بعيداً عن تحمل المسؤولية. ويتساءل آخر: عندما نوجه سؤالاً للأطفال عما يتمنوا الوصول إليه عندما يكبروا، فتأتي اجاباتهم بين طبيب ومهندس ومعلم وضابط وطيار…. إلخ، ويستطرد مستغربًا لماذا لم يتمنَ أحد هؤلاء الأطفال بأن يصبح مديرًا عندما يكبر؟! هل قادتهم فطرتهم السليمة إلى الابتعاد عن هذه الوظيفة المتعبة والشاقة؟
من هذا المنطلق سوف أستعرض مجموعة من الإرشادات التي أرى بأن على كل مدير أن يأخذها في الحسبان؛ وبخاصة في الأيام الأولى من توليه زمام الإدارة، وقد أسميتها مجازاً “اللاءات العشرون”:
1. لا تعتقد أن الجميع سيفرحون أو يرحبون بقدومك للإدارة منذ البداية، ولكن لا تقلق لهذا الأمر، فعملك كفيل بتغيير مشاعرهم تجاهك.
2. لا تعتبر أن كل من يحاول التودد أو التقرب إليك بأنه صاحب مصلحة شخصية، فلربما هناك ممن لديه ما يفيد العمل، ولكنه لم يجد فرصة مناسبة مع الإدارة السابقة.
3. لا تتأخر في الحضور للدوام أو تغادره مبكرًا، وتطالب الآخرين بالانضباط، فلابد أن تكون أنت القدوة لهم.
4. لا تعتقد بأن منصبك كمدير يستلزم أن تكون أكثر الأشخاص فهماً وخبرةً في كل الأمور، فلكل مجال مختصين هم أكثر دراية بشئونه؛ فأستشر الآخرين وخذ بآراء الجميع، وأشركهم في اتخاذ القرار.
5. لا تقلل من أهمية أي إدارة من إدارات المؤسسة بغض النظر عن مسماها أو حجمها، أو تتجاهل الدور الذي يؤديه أي موظف أيًّا كان موقعه.
6. لا تكابر وتستمر في الخطأ أو تتنصل عنه وتلقي بمسؤوليته على غيرك، وخاصة عندما تعطي توجيه وتأتي نتائجه سلبية. وابتعد عن عبارات التبرير: أنا كنت أقصد….، أنت فهمتني غلط وغيرها من العبارات، بل اعتذر وتأسف؛ فالاعتذار يزيد ثقة الموظفين بك.
7. لا تحاول أن تفرض قيمك على الآخرين مهما كانت جميلة، فحبك للعمل وجلوسك في المكتب لساعات بعد انتهاء وقت الدوام شيء جيد؛ لكن الموظف ليس ملزمًا بالجلوس بعد نهاية ساعات الدوام إلا في حالات الضرورة ووفق النظام الذي يكفل للموظف حقوق مادية مقابل عمله في غير ساعات الدوام الرسمي.
8. لا تتعامل مع الموظفين وكأنهم أحد ممتلكاتك الشخصية، وابتعد عن الكلمات التي تشير إلى ذلك؛ فلا تقل موظفيني ونحو ذلك، ولكن قل زملائي، أخواني.
9. لا تكتفي بسؤال الرؤساء فقط، وتغفل دور المرؤوسين في إسداء النصيحة إليك، بل تعرف على ما لديهم من أفكار؛ فهم من يمارس العمل فعليًّا، وهم من يواجه الصعوبات، والعقبات، والأقرب لمعرفة الحلول.
10. لا تسيء معاملة أصدقائك القدامى لكي تثبت نزاهتك، وفي نفس الوقت لا تجاملهم على حساب الآخرين.
11. لا تحدث تغييرات سريعة أو تتخذ قرارات عاجلة دون توفر معلومات كافية؛ لمجرد إثبات الرغبة في التطوير حتى لا تأتي النتائج أسوأ من الوضع المراد تصحيحه.
12. لا تجيب على كل سؤال يوجه إليك من أي طرف كان دون أن تكون متأكدًا من دقة معلوماتك حيال موضوع السؤال.
13. لا تكن متقلب المزاج وتغيُر رأيك بين لحظه وأخرى، تعطي توجيهًا لشخص لأداء مهمه، ثم سرعان ما تغير رأيك وتعطيه مهمه أخرى وهكذا.
14. لا تقاطع الآخرين، بل أنصت إليهم وشجعهم على الحديث.
15. لا تستحوذ على أدوات، وأجهزت العمل أو المعلومات التي يحتاجها الموظفون أكثر منك.
16. لا تتجاهل مشاعر موظفيك، فحتى وإن كان لدى الموظف مشكلة شخصية لا تستطيع مساعدته في حلها، فعلى أقل تقدير تعاطف معه.
17. لا تعطِ وعدًا في لحظة فرح، ولا تتخذ قرارًا في لحظة غضب، فلحظات الفرح تجعلك تبالغ في الوعود بما لا تستطيع الوفاء به، ولحظات الغضب تقودك إلى التصرف بطريقة خاطئة تندم عليها بعد أن يذهب عنك غضبك.
18. لا تعمل كفرد وتغرد خارج السرب أو تعمل على أن تحظى بثناء وشكر وحوافز الإدارة العليا بمفردك، بل كن مع موظفيك كفريق رياضي لكل منهم موقعه، ولكن إذا أحرز أحدهم هدفًا؛ فإن الجميع يفرح والتهنئة والجائزة تكون للجميع.
19. لا تنتقد أحدًا من موظفيك أمام الآخرين إلا في الضرورة القصوى فالنصيحة على الملاء فضيحة، واحرص على ذكر إيجابيات من تريد انتقاده في البداية؛ حتى يتقبل منك النقد برحابة صدر.
20. لا تؤدي كل الأعمال بنفسك، حتى ون كانت من ضمن مهامك، فمهما يكن لديك من قدرات؛ فإن عوامل أخرى تبقى أكثر أهمية لضمان جودة الأداء منها: الوقت والتخصص والخبرة؛ مما يعني أنك تحتاج إلى تفويض مرؤوسيك للقيام بكثير من المهام، ففي التفويض تدريب وتحفيز للموظفين وبناءً للثقة بينك وبينهم، وفي المقابل تزيح عن كاهلك جزء من المهام؛ الأمر الذي يمنحك مساحة من الوقت لأداء مهام أكثر صعوبة.
مسك الختام:
قال صلى الله عليه وسلم: “اللهم مَن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، اللهم مَن ولي من أمر أمَّتي شيئًا فشقَّ عليهم فأشقق عليه”.
——————————-
• عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة