يذكرني اليوم الوطني بصورتين مختلفتين تُمثل حياتنا قبل وبعد، إذْ كنا اشتاتًا فاجتمعنا، وفقراء فاغتنينا، وضعفاء فاقتوينا، وجهلاء فتعلمنا، ومرضى فاستصحينا، نتقاتل لأوهى الأسباب فحقن الله دماءنا، لا شأن لنا بين الدول فأصبحنا ذوي شأن وهيبة، كانت أهدافنا في أقصاها المغالبة على منابت الكلأ ومواردالمياه، فأصبحنا نطاول الثريا في طموحاتنا، فصار منا العلماء والمخترعون والقادة المؤثرون، وحُزْنا قصب السبق في كثير من الاختراعات والمجالات، وكنا نتنقل بين الفيافي والقفار بحثًا عن الكلأ والماء، لا وسيلة لذلك إلا الإبل أو الرواحل، ونفترش الرمل والحصباء، ونستظل ببيوت الشعر أو سعف النخل، أو نسكن الكهوف، وقد أصبحنا نسكن القصور والفلل والأبراج..ونقتني السيارات الفارهة والطائرات العملاقة والقطارات الحديثة، ونمتلك شبكة عظيمة من الطرق البرية المزفتة والمعبدة، بل تحولت قفارنا وصحارينا الى مدن حديثة وأريافنا إلى ضواحٍ جميلة، وكانت البدع والشركيات تضرب بأطنابها في عدد من نواحينا وقرانا، فسرعان ما تلاشت واختفت، فأصبحنا أمة توحد الله ولا تطلب العون والتوفيق من غيره سبحانه وتعالى، وكان الخوف يسكن كل بيت وكل ناحية، فأصبحنا نعيش في بحبوحة من الأمن الوارف.
أي أننا كنا لاشيئًا وأصبحنا -والحمدلله- دولة عظيمة تحتل مكانة مرموقة بين الدول العظمى.
هذا كله كان بفضل الله العلي العظيم وتوفيقه، ثم بفضل الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آلسعود- طيب الله ثراه وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة – ورجاله المخلصين، الذي آثر الموت على الحياة، والتعب على الراحة، في سبيل إسعاد أمته ولمِّ شتاتهم والرفع من شأنهم، وبناء وطنهم على أحدث الأسس، وقد بذل في سبيل ذلك دمه وماله..حتى كتب الله له ما أراد، وواصل البناء بهمة ونشاط من بعده أبناؤه البررة – رحمهم الله وأجزل مثوبتهم وأسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة- ونحن الآن نعيش الذكرى التسعين ليوم توحيد الوطن تحت راية التوحيد بقيادة القائد الهمام والملك المظفر خادم الحرمين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهم الله ومكَّن لهم وأعزهم، في رفاهية من العيش، وفي بحبوحة من الأمن وارفة الظلال، ولنا بين الدول والشعوب مكانة مرموقة، ونمتلك -والحمدلله- كل مقومات القوة والمنعة، وهذه لعمري نعمة عظيمة منّ بها خالقنا علينا، فعلينا الشكر والحمد للمنعم لتدوم وتبقى، ومن الشكر التمسك بديننا الحنيف فلاتنطُّع ولا تساهل، ولكن كما جاء عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، والالتفاف حول قيادتنا والمحافظة على وحدتنا، والعمل يدًا بيد، وبأمانة وإخلاص، وبهمة وعزيمة لنبلغ القمة، ثم نزيد في الجهد والعطاء لنثبت عليها.
إخوتي الأعزاء أيها الشباب، هذه أمانة تسلمناها من آبائنا أجدادكم، ونسلمها
لكم فارعوها حق الرعاية، بالإخلاص لله أولًا ثم حب وطاعة ولاة أمركم قادة هذه
البلاد- حفظهم الله- ثم لزوم الجماعة، وعضوا عليها بالنواجذ، والوعي الكامل لما يُحاك ضدكم، والتنبه للحسدة والطامعين.
اللهم احفظ علينا ديننا وقيادتنا وشعبنا، واكفنا شر الحسدة وذوي الأهواء والأطماع، واجعل اللهم تدميرهم في تدبيرهم. آمين..
———————————-
مدير عام التعليم بمنطقة مكة سابقا