في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عامّ، الموافق للأول من فصل الميزان، تحلُّ علينا ذكرى خالدة وعزيزة على النفس، إنها ذكرى اليوم الوطني السعودي، وسط فرحة تغمر جميع أطياف المجتمع، والتي لا تُعدُّ فرحة لشعب المملكة العربيــة السعودية وحده، بل سيكون يومًا عالميًّا تحتفل به الأمة الإسلامية والعربية كلها، ذلك لأن المملكة – حرسها الله – تمثل قلب العالمين العربي والإسلامي النابض، كما أنها دولة محورية تلتف حولها سائر الدول العربية والإسلامية – بل ودول العالم أجمع -، التي تُشارك الشعب السعودي وأبناء المملكة فرحتهم، وتبادلهم الشعور بالغبطة والفرح والسرور والامتنان؛ حيث يتم في هذه الذكرى المشرقة التي تتجدّد في كل عام، استذكار ما حققه مؤسس هذه البلاد وباني حضارتها ومشيد نهضتها، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – لهذه البلاد المترامية الأطراف ولمواطنيها من خير كثير نتج عنه وحدة أصيلة حققت الأمن والأمان بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بفضل جهاده وعمله الدؤوب.. هذا البطل الهمام الذي كرس حياته لخدمة الوطن وبنائه، وعمل بكل جد واجتهاد للرقي به نحو مدارج الرفعة والسمو والنهضة، لتغدو بلادنا الغالية واحة أمن وأمان، ومرتكز بناء ورخاء، وليتجسد هذا اليوم التاريخي في ذاكرة الموطن السعودي ووجدانه، ليقف عنده متأملًا كيف استطاع الملك المؤسس الباني – رحمه الله تعالى -، أن يجمع الشتات والتناحر والفرقة، تحت راية التوحيد: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأن يوحد أجزاء هذه البلاد الطاهرة، تحت اسم (المملكة العربية السعودية) بعد جهاد طويل وكفاح استمر لنحو اثنين وثلاثين عامًا، ليعيش الجميع أخوة متحابين ومتكاتفين تحت مظلة وطن واحد، وأن يرسي قواعد الوحدة والأمن والأمان والاستقرار، وأن يضع قواعد هذا البنيان المتين على هدى كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، ولتُنشأ في ذلك اليوم دولة فتية تزهو بتطبيق شرع الله، وتصدح بتعاليم الإسلام السمحة وقيمه الإنسانية العالية في كل أصقاع الدنيا، ناشرة السلام والخير والمحبة، وسائرة بخطى ثابتة وحثيثة نحو غدٍ أفضل لها ولجميع المجتمعات البشرية، وليتفيأ المواطن الرخاء والرفاهية، والحاج والمعتمر وزائر مسجد الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام الأمن والأمان، ولتصبح السبل إلى الحرمين الشريفين آمنة ميسرة، وليرحل الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه -، ليخلده التاريخ ويُسجّل اسمه في سجل عظماء العالم، وبعد ما برزت أهم ملامح التقدم واكتملت هياكل المؤسسات والأجهزة الأساسية في الدولة، وبعد أن أرسى منهجًا قويمًا سار عليه أبناؤه الملوك البررة من بعده، ولتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف المستمدين من شرع الله المطهر، كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وليتسلّم أبناؤه الراية بعده، يعلون شأن هذا البلد على كافة الصعد، حتى هذا العهد الزاهي المشرق، عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، – حفظهما الله -، حيث يعيش المواطن السعودي والمقيم على ثرى هذه الأرض الطيبة في الوقت الراهن، عصرًا جديدًا من النماء والتطور، خطّط له بحكمة وحنكة، وبرؤى ثاقبة وقرارات صائبة وآراء سديدة تتواكب مع متغيرات العصر وبكل اقتدار، مولاي خادم الحرمين الشريفين، والذي تمكن – حفظه الله – بمهارته في القيادة، من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي، – سياسيًّا واقتصاديًّا وتجاريًّا -، ليصبح للمملكة وجود أعمق في المحافل الإقليمية والدولية وفي صناعة القرار العالمي، وليُتوّج هذا التوجه الحكيم، ببرامج التحول الوطني 2020 وبرؤية المملكة 2030 الطموحة، التي أطلقها عرّابها ومهندسها الأوّل، سيدي ولي العهد، والتي تعبر عن طموحاتنا جميعاً وتعكس قدرات بلادنا، وفي الوقت نفسه تُعدُّ رؤية الحاضر الزاهي للمستقبل الواعد المشرق – بحول الله وقوته -.
تمر علينا الذكرى التسعون لهذا اليوم التاريخي، والتي ترمز للبداية الحقيقية لقيام الدولة السعودية الفتية، ليستعيد كل مواطن من خلال هذه المناسبة السعيدة، ذكرى توحيد هذا الكيان الشامخ. وتتجدّد هذه المناسبة المجيدة في كل عامّ، لتُسهم في ترسيخ قيم الوطن من وحدة وانتماء وولاء؛ حيث تشهد بلادنا العزيزة عهدًا حضاريًّا وتنمويًّا زاهرًا في ظل ما تنعم به من أمن واستقرار وما تشهده من نماء ورفاهية ورخاء، ولتُعيد للأذهان تاريخ عريق سطره الآباء والأجداد، والذين ضربوا أروع الأمثلة لمظاهر الهمة العالية والإرادة القوية، ولتمثل فرحة وطن، وفرحة شعب، وفرحة أمة، وليحق لكل مواطن سعودي ولكل عربي ومسلم أن يفتخر ويعتز كثيرًا بهذه الذكرى المجيدة، وأن يقف أمام هذه المنجزات التاريخية التي تحققت على أرض الواقع، بكل فخر واعتزاز وتقدير، وليفخر الوطن بقيادته الحكيمة التي بذلت الغالي والنفيس لرفعته، ويزهو بأبنائه المخلصين الذي بادلوه وفاء بوفاء، وحب بحب، ولتفرح الأمة الإسلامية والعربية بقادة هذا الوطن الشامخ، الذين حفظوا المقدسات ورعوها وحموا الدين وذادوا عن حياضه، فعلى أرض هذه البلاد المقدسة نزل الوحي من الله تعالى بآخر الرسالات السماويــــة على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن قلب هذه البلاد المباركة انطلق نور الدعوة الإسلامية لخير البشرية ينير أرجاء العالم، ومن هذه الأرض الطيبة بدأت ملاحم نشر العقيدة الإسلامية، ومساعي تحقيق التواصل البناء بين أقطار العالم الإسلامي، حيث لا تعني هذه الذكرى المتميزة مجرد مناسبة وطنية عابرة فحسب، وإنما وقفة تأمل وإعجاب في قدرة هذا الكيان الشامخ على النماء والبناء وتخطي العوائق والصعاب، والتغلب على كل التحديات، بفضل الله سبحانه وتعالى وتوفيقه أولًا وأخيرًا، ثم بالإيمان القوي والوعي التام بوحدة الهدف وصدق التوجه، في ظل تحكيم شرع الله، والعدل في إنفاذ أحكامه لتشمل كل مناحي الحياة، لتصبح ينابيع الخير في ازدياد يومًا بعد يوم، ولتتوالى العطاءات والمنجزات الخيِّرة لهذه البلاد الكريمة.
والله ولي التوفيق،،،
————————-
* وكيل معهد البحوث والدراسات الاستشارية للدراسات الاستشارية
* أستاذ مساعد الهندسة البيئة والمياه بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية
* مستشار مركز إدارة المخاطر والأزمات (سيف)، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.