بانهيار الخلافة العباسية وسقوطها سنة 656هـ تمزّقت بلاد العرب وتشتت كلمتهم، واستولى على السلطة عجم من فرس وترك ومغول وغيرهم، وحتى عندما دخل العرب عهد الدويلات الصغيرة بقيت جزيرة العرب (مهد الرسالة المحمدية) معزولة وممزقة تكابد الفقر والجهل، تفترش الجوع وتلتحف الخوف. قبائل تتناحر فيما بينها، تحكمها شريعة الغاب والبقاء للأقوى، تمتهن السلب والنهب وقطع الطرق التي لم يسلم منها حتى حجاج بيت الله الحرام.
ثم قيّض المولى -عز وجل- لهذا الحال قائدًا فذًّا وبطلًا من أبطال التاريخ؛ هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، فقد جعل هذا الإمام نصب عينيه توحيد هذه البلاد المترامية الأطراف؛ حتى تمكن بتوفيق الله -عز وجل- ثم بهمته العالية وبسالة رجاله المخلصين من تأسيس دولة وبناء أمة، فأصبحت المملكة العربية السعودية منارة للعرب وقبلة المسلمين، وستظل رمزًا للسلام ومنبرًا ثابتًا للحق تتدفق منها ينابيع الخير عطاءً وافرًا لمواصلة مسيرة البناء والنماء لخدمة الوطن والمواطن بشكل خاص وخدمة أوطان المسلمين، بل وخدمة الإنسانية بعامة.
وحينما نحتفل هذه الأيام باليوم الوطني فإنما نحتفل بمناسبة من أجمل المناسبات تعبيرًا وتذكيرًا بالذكرى الخالدة للإعلان عن قيام أكبر وحدة عربية عبر التاريخ المعاصر، وفي ذات الوقت هي دعوة إلى ضرورة الحفاظ على كافة مقومات الوحدة الوطنية ومفاهيم التآخي بين مختلف فئات المجتمع السعودي، وللتعبير عن مدى حب أبناء هذا الوطن العظيم لبلادهم وارتباطهم الشديد مع قيادتهم الرشيدة.
وإذا كنا منذ عقود سابقة في حاجة للاحتفال بهذه المناسبة يوم واحد؛ فإننا اليوم بحاجة للاحتفال بها أيام وليس يوم واحد، فما من الله به على هذه البلاد الطاهرة من نعم جسيمة تستحق منا الشكر والثناء لله سبحانه وتعالى أولًا وآخرًا، ومن ثم تذكيرِ الأجيال الجديدة بتلك النعم الجزيلة وتعريفهم بكافة الإنجازات العظيمة التي قام بها قادة هذه البلاد منذ أن توحدت على يد المؤسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله، وحتى عهد ملك الحزم والعزم الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-. كما أنها في ذات الوقت فرصة مناسبة لتوعية أبنائنا مما يُحاك بوطنهم من مؤامرات ومكر قوى الشر ودعاة الضلال التي أزعجها كثيرًا ما تحظى به بلاد الحرمين من خير وعزة ومكانة عظيمة بين الأمم وفي كافة المحافل.
وخلاصة القول إن هذه المناسبة ليست خاصة بأبناء المملكة العربية السعودية فحسب، بل هي مناسبة فرح وابتهاج لكافة الشعوب العربية والإسلامية، وليس ذلك من باب الغرور أو شدة المبالغة؛ بل لأن هذه الدولة المباركة منذ قيامها، وهي تقوم بدورها الريادي في نشر الإسلام، وخدمة الشعوب العربية والإسلامية ومناصرة قضاياهم ودعمهم في مآسيهم، رغم ما تتلقاه من جحود البعض، وغدر وخيانة البعض الآخر.
خاتمة:
اللهم احفظ المملكة العربية السعودية مليكًا وحكومةً وشعبًا، واحفظ المقيمين على أرضها وجميع أوطان المسلمين من كل مكروه.