تحتفل المملكة العربية السعودية اليوم 6 صفر 1442هـ الموافق 23 سبتمبر 2020م بالذكرى التسعين لإعلان تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، ففي اليوم التاسع من شهر جمادى الأول من سنة 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، تم الإعلان عن قيام المملكة العربية السعودية بعد توحيدها، وتسميتها للمرة الأولى بهذا المسمى.
وحدد يوم 23 سبتمبر من كل عام للاحتفال باليوم الوطني (الأول من الميزان)، ففي ذكرى هذا اليوم تعيش بلادنا فرحة يومها الذي أصبح يسكن الأعماق، فيه سيرة الملك المؤسس الذي وحّد أجزاء هذه البلاد المترامية الأطراف، بعد جهاد استمر اثنين وثلاثين عامًا، أرسى خلالها قواعد هذا البنيان على هدي كتاب الله وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، سائرًا في ذلك على خطى أسلافه من آل سعود الميامين لتنشأ في ذلك اليوم دولة متينة تزهو بتطبيق شرع الله، وتصدح بتعاليمه السمحة وقيمه الإنسانية في مختلف أصقاع المعمورة، ناشرة السلام والخير والدعوة المباركة، باحثة عن العلم والتطور، وسائرة بخطى حثيثة نحو غدٍ أفضل لها ولجميع المجتمعات.
دولة وتاريخ:
قامت الدولة السعودية الأولى في العام 1157هـ الموافق 1744م، عندما قرر الإمام محمد ابن سعود -رحمه الله- مناصرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب-رحمه الله- الهادفة إلى العودة إلى تعاليم الإسلام السمحة الصحيحة، وتصحيح المعتقدات مما شابهها من الشبهات والجهل؛ ولذلك قام بجهود كبيرة في مؤازرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتطلعاته إلى مجتمع تتمثل في جميع شؤون حياته سمات المجتمع المسلم الصحيحة.
تعاقد الإمام محمد بن سعود والشيخ في ذلك العام على التعاون للعودة بالمجتمع في الجزيرة العربية إلى عقيدة الإسلام، كما كانت عليه في صدر الإسلام، وفقًا لما جاء به رسول الأمة عليه أفضل الصلات والتسليم، وسارًا على هذا السبيل؛ لتحقيق هذا الهدف.
بعد ذلك تتابع جهاد آل سعود من ذات المنطق، فلم تنطفئ جذوة الإيمان في قلوب الفيئة المؤمنة بانتهاء حكم الدولة السعودية الأولى بعد زهاء ستة وأربعين عامًا بسبب التدخل الأجنبي.
وفي العام 1240ه/ 1824م قامت الدولة السعودية الثانية بقيام الإمام المؤسس الثاني تركي ابن عبدالله بن محمد بن سعود -رحمه الله- الذي واصل من بعدها أبناؤه نهج أسلافهم نحو ثمانية وستين عامًا، حتى انتهت الدولة السعودية عام 1309هـ/1891م نتيجة عوامل داخلية.
وبزغ فجر الخميس الخامس من شوال عام 1319هـ/1901م، إيذانًا بعهد جديد استعاد الموحد الباني الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- مدينة الرياض معيدًا.
ملك آبائه وأجداده في صورة صادقة من صور البطولة والشجاعة والإقدام، فوضع- طيب الله ثراه- أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية هدفها تحكيم شرع الله، والعمل بكتابه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وواصل الملك الموحد عبدالعزيز جهاده لإعلان كلمة الله ونشر عقيدة التوحيد الصافية والعودة بالأمة في هذه البلاد المباركة إلى دين الله عودة نصوحًا على نهج قويم يحوطه الحزم وقوة الإدارة.
ولم يفت في عضد الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين قلة العدد والعدة، وانطلق من الرياض بذلك الإيمان الصادق في جهاده حتى جمع الله به الصفوف، وأرسى دعائم الحق والأمن والإيمان.
فتوحدت أرجاء البلاد وأينعت تلك الجهود أمنًا وآمانًا، واستقرارًا، وتحول المجتمع من قبائل متناحرة إلى شعب متحد ومستقر يسير على هدي الكتاب والسنة، وتفيأ المواطن بالأمن والأمان، وكذا الحاج والمعتمر وزائر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصبحت السبل إلى الحرمين الشريفين ميسرة، وهي الغاية التي كانت هاجس الملك عبد العزيز بغية خدمة دين الله وخدمة المسلمين كافة. وقد اعتمد في علاقة المملكة وسياستها الخارجية على وفق منهج التوجه الإسلامي القويم، فقد دعا -رحمه الله- إلى التعاون العربي، والتضامن الإسلامي، وأسسهم في تأسيس جامعة الدول العربية واشترك في عضوية الأمم المتحدة عضوًا مؤسسًا، كما كان له جهود مشكورة في القضية الفلسطينية، فكان يؤكد على حقوق الفلسطينيين والدفاع عن قضيتهم فسخر لها دبلوماسيته المعهودة، ودافع عنها في اتصالاته المستمرة مع زعماء العالم.
وعلى المستوى الداخلي واصل الملك عبدالعزيز جهوده في المسار التنموي نحو بناء الدولة وتكوين مؤسساتها ورسم سياستها، متخذًا كما أسلفت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المصدر الأساسي الذي يقوم عليه الحكم في إدارة الدولة وإدارة أمور البلاد.
تأتي ذكرى اليوم الوطني للتأمل وأخذ العبرة من صفحات التاريخ إذ كانت البلاد تعيش التمزق والشتات، وتئن تحت وطأة البؤس والجوع والفقر لا تجمعها رأيه، ولا تلتقي على غاية، حتى قيض الله القائد الفذ عبدالعزيز -رحمه الله- الذي حمل على عاتقه مهمة إعادة دولة إسلامية التي رعت الدعوة السلفية فكانت هذه الوحدة نموذجًا رائعًا لالتئام شمل الأمة الذي يعكس بحق معنى الوحدة والتضامن.
ورحل الملك عبد العزيز -رحمه الله- بعد أن أرسى منهجًا قويًّا سار أبناؤه لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه المستمدين من شرع الله المطهر كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
كان الملك سعود -رحمه الله- أول السائرين على ذلك المنهج والعاملين في إطاره حتى برزت ملامح التقدم، واكتملت هياكل عدد من المؤسسات والوزارات والأجهزة الأساسية في الدولة، وجاء من بعده رائد التضامن الٍإسلامي الملك فيصل -رحمه الله- فتتابعت المنجزات وتوالت العطاءات، وبدأت المملكة في عهد تنفيذ الخطط الخمسية الطموحة للتنمية.
وتدفقت ينابيع الخير عطاءً وافرًا بتسلم الملك خالد -رحمه الله- فتواصل البناء والنماء للوطن والمواطن، بخاصة والإسلام والمسلمين بعامة، واتصلت خطط التنمية بعضها ببعض لتحقيق المزيد من الرخاء والاستقرار.
وبعد مبايعة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- ملكًا على البلاد ازداد البناء الكبير عزًا ورفعة، وساد عهد جديد من الخير والعطاء والنماء والإنجاز، ولعظم المسؤولية التي تقلدها جلالته اختار الملك فهد رحمه الله أن يسمي نفسه خادم الحرمين الشريفين، وقد قرن اسمه بهذه الصفة الرفيعة استشعارًا بالمسؤولية للمملكة التي فيها قبلة المسلمين يتجهون لها من كل مكان.
كما شهدت المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمه الله عهدًا فريدًا من المنجزات بعد تسلمه مقاليد الحكم في يوم الاثنين 26/6/1426هـ الموافق غرة أغسطس من عام 2005م، فقد عمّت التنمية كافة مناطق البلاد في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والعلمية والصحية والاجتماعية والصناعية والمياه والكهرباء، فقد تميزت تلك المنجزات بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته مما ميز المملكة بين دول العالم المتقدمة.
وفي هذا العهد الزاهر عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمين محمد بن سلمان، تعزز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي، سياسيًّا واقتصاديًّا وتجاريًّا، وأصبح للمملكة دور ووجود في المحافل الدولية وفي صناعة القرار في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئات ومؤسساته.
ودخلت المملكة ضمن العشرين دولة الكبرى الاقتصادية في العالم، وحافظت المملكة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله على الثوابت الإسلامية واستمرت على منهج المؤسس، فصاغت بنهضتها الحضارية، ووازنت بين تطورها التنموي، والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية.
لقد شهدت الأماكن المقدسة في مكة والمدينة وبقية المشاعر خلال هذه السنوات نقلة نوعية في المشاريع والخدمات التي تقدمها الدولة لضيوف الرحمن حجاج بيت الله يعجز اللسان عن وصفها فقد تابع -حفظه الله- أكبر توسعة للمسجد الحرام والجمرات لم يشهد مثلها في التاريخ.
إن اليوم الوطني يذكرنا بجهود وسيرة مؤسس وحدة الوطن وصانع استقراره المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، فتلك الجهود تستحق الفرحة، وأن تقام لها المناسبات والاحتفالات بكل فخر.
وفي الختام نرفع لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين محمد بن سلمان ولحكومته والوطن السعودي ولأهله أصدق التهاني وأجمل التبريكات، وكل عام والجميع بخير، فعندما تعشق الوطن تعشقك الحياة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
—————-
عضو هيئة تدريس / قسم التاريخ
رئيس مجلس إدارة الجمعية التاريخية السعودية