الجوانب التي يتناولها الحديث عن حكومتنا الرشيدة أو المملكة العربية السعودية كثيرة متعددة، يجول بينها المؤرخ في عالم واسع من المشاهدات والأخبار ومن الذكريات التاريخية والشعائر الدينية، ليس في العالم من يلم بتلك الشخصية الساحرة المهيبة، شخصية قيادتنا الرشيدة التي تحكم الشطر الأكبر من جزيرة العرب، وقد أماطت ثروة المملكة المعدنية لثام الغموض الذي حجب نحوًا من أربعمائة سنة زمن المؤسس الأول الملك عبد العزيز “طيب الله ثراه”، لقد لعبت المملكة دورًا تاريخيًّا هامًا بوصفها موطن الدين الإسلامي، إلى أن أفل نجمها السياسي في العصور الأخيرة وكان من المحتم أن هذا العامل- بحكم طوالعه المقبلة والحاضرة- سينقل بلاد العرب خلال الحقبتين الأخيرتين إلى غدير التجديد…حيث كانت شعوبه تهيم في بيداء التأخر، حينما تقلد آباء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود وأجداده الأقدمين زمام تلك الثقافة التي لازال في الإمكان تبين آثارها من عدة وجوه في القواعد الإنسانية الروحية والأخلاقية.
وقد تختلف الآراء، وتتضارب فيما إذا كانت التغيرات التي جدت أخيرًا على المملكة ستعود عليها بالخير أم لا، لكن حسبنا أن نقول إنه لم يكن هناك خير أفضل من هذا، وربما كانت المملكة أسعد حظًا من بعض أقطار الشرق الأخرى، إذ أخذ بعنانها قيادة رشيدة تشبعت نفسها بالشيمة العربية واستقرت عزيمتها على الاحتفاظ بهذه الصفة المهمة مع التمسك بأصول الإسلام الأساسية، مهما كلفت ملوكها ذلك من جهد أثناء فترة الانتقال إلى الوضع الجديد الاقتصادي والسياسي؛ إذ التقدم بالنسبة إلى الشرق والعالم الإسلامي، لم يكن معناه قط- في عرف ملوك آل سعود- اعتناق الحضارة الغربية والتساهل في الأمور الدينية والأخلاقية، ومع ذلك فليس هناك من ينكر بأن ملوك المملكة ابتداء بعهد المؤسس الملك عبد العزيز -قد خطوا خطوات واسعة في سبيل الرقي والتقدم دون التهاون في أحكام هذا النظام الذي سرى على العرب منذ فجر تاريخهم.
فالملك عبد العزيز هو الذي فرغ أربعين عامًا ونيفًا إلى الذود عن حنى القومية العربية بصورة عملية، والسعي لتوحيد العرب وتأليبهم على الحكم (العثماني) ومنذ ذلك الحين وهو يعمل جهد طاقته لخدمة القضية العربية، ومن دواعي الرضا أنه شاهد رحيل العثمانيين من بلاد العرب بفضل قوة السلاح البريطاني في غضون الحرب الكبرى، كما شاهد انتشار القومية العربية الباهر في كل مكان، على أن الواحدة التي نشدها في أحلامه الأولى ما زالت بعيدة التحقيق.
ويرجع السبب في ذلك إلى ظروف فوق طاقة الملك عبد العزيز، ومع ذلك فقد تحقق بعض الشيء إذ المسلم به- من حيث المبدأ- أن الوحدة وحدها في وسعها أن تزود العرب بالقوة التي تفتقر إليها لمواجهة مشاكل العالم الحديث على أنه ليس من المحتمل أن يتم الاتفاق حول الطرق والوسائل التي ستحقق هذه الوحدة بمقتضاها في المستقبل القريب.
فالملك المؤسس بنظره البعيد وحنكته وتجاربه العديدة قد كفل لبلاده حسن العلاقات مع الدول التي ستقوم عقبات كبرى في سبيل هذه الوحدة، ولا شك عندي أن الملك عبد العزيز هو الرجل السياسي الوحيد الذي استطاع التغلب على جميع الصعوبات، فقد ضرب أحكم المثل في نفوذ بصيرته وبعد نظره في أحلك الأوقات وأشدها مرارة، ولا شك أن البناء الذي شاده بيده الحكيمة في الأربعين سنة التي أمضاها. يشهد له بذلك.
وإننا نسأل الله أن يعز المملكة ويصونها ببركة المحبة والوئام في ظل قيادتنا الرشيدة، وأن يشمل أمم العرب والإسلام ببركة تلك المحبة وذلك الوئام.
———————————
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر (المشارك)
(السياسي والحضاري والفلسفة)
وطن الشموخ وطن الانسانية وطن المحبة وطن السلام
وطن كل الاوطان عاشت بلادي بعزها وشموخها رغم انف الحاسدين وسلمت يد تسطر التاريخ العظيم الذي عاشت وتعيشه بلاد الحرمين …نفخر بالأمس ونفخر باليوم ونستشف الفخر للغد .