المقالات

أهمية البصمة الوراثية (للأمن الاجتماعي)

تشرفت بالحضور مع نخبة من وجهاء المجتمع، ورجال الأعمال والإعلام، وقيادات من القطاع الخيري في ديوانية الوداد التي يستضيفها في منزله المبارك سعادة المهندس حسين بحري كملتقى دوري اجتماعي وتنموي يهدف إلى تبادل الحوار حول أفضل الممارسات في العمل الخيري والاجتماعي، وتعزيز أثر التفاعل معهما بهدف طرح الأفكار والتجارب الخيرية المميزة، ومن خلال أحد لقاءات الديوانية التي تشرفت بحضورها، والتي كانت مخصصة عن مناقشة أفكار وحلول قضية المولود (مجهول الأبوين)، ومن خلال المتابعة والاطلاع على جهود سعادة المهندس حسين بحري الحثيثة والمستمرة، والذي يكرس فيها وقته وجهده وماله في خدمة العمل الخيري بصفة عامة، وفي هذه الفئة بصفة خاصة من خلال هذه الجمعية التي أنشأها منذ أكثر من عشر سنوات ونهض بها رغم ما واجهته من صعوبات ومعوقات حتى أصبحت من أفضل الجمعيات الاجتماعية في العمل الخيري، وما قام به من جهود موفقة في استصدار فتوى شرعية لإرضاع الطفل مجهول الأبوين من الأسر الحاضنة لضمان أن يكون أحد أفراد الأسرة بالرضاعة، وينعم بالاستقرار العاطفي والنفسي والمجال لا يتسع لذكر جهود سعادة المهندس حسين، وجمعية الوداد، وأرجو البحث والاطلاع عليها من خلال موقع جمعية الوداد الإلكتروني.
ومن خلال مشاهدتي لحضور أحد الشباب في إحدى اللقاءات الذي تداعى له مشاعر الحضور تعاطفًا وحزنًا وألمًا عند شرح معاناته بطريقة وجدانية مؤثرة؛ حتى وصل إلى جانب مهم وهو أنه يعيش في أحد دور الرعاية الخيرية ويجد الرعاية والاهتمام حتى أكمل دراسته الجامعية، ونال الشهادات العليا من خارج المملكة، ولكنه عبر عن افتقاده لعطف الأب وحنان الأم، وتسأل بحزن ونبرة صوت أليمة لمن يشكو همه الذي يشعر به؟ لمن يتحدث عن مشاعره وعن رغباته؟ لمن يلجأ في أفراحه وأحزانه؟ وتساؤلات وجدانية حزينة كثيرة عبر عنها كنموذج حي عن تلك الفئة في دور الرعاية، ولكم أن تتصوروا كيف كانت مشاعر الحضور.
وبعد ذلك ومن خلال المشاركة الدورية مع الحضور في تبادل الأفكار والمقترحات والحلول في عدد من لقاءات الديوانية الدورية، ومشاهدة، وسماع بعض المواد الإعلامية وما دار فيها من حوارات مختلفة من بعض المختصين، وبعد البحث المعرفي والإعلامي عن بعض جوانب، وأثار هذه القضية وجدت أنها قضية شائكة ومعقدة وتشكل هاجسًا وعبئًا أمنيًّا واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وقمت بإعداد ورقة لخصت فيها أهم تعقيدات هذه القضية وطرحت فيها بعض الحلول من منظور أمني واجتماعي واقتصادي، وأطرحها هنا في صحيفة مكة المكرمة الإلكترونية لعلها تصل إلى أصحاب القرار، ولعلها تكون مفتاحًا لبعض الأفكار الأخرى لمن يحب مشاركة الحلول.

أهم تعقيدات هذه القضية
1- تتعرض بعض فتيات المجتمع من مواطنات ومقيمات إلى الوقوع في هذه القضية لأسباب خارجة عن الإرادة إما براءةً وجهلًا أو تغريرًا أو ابتزازًا أو قسرًا وإكراهًا؛ خاصة الفتيات والنسوة اللواتي يقعن في دائرة الظروف الصعبة والقاسية مثل فقدان وغياب العائل أو انفصال الوالدين أو بسبب الفاقة والفقر وغياب الوعي وبقية عناصر الظروف التي تجبرهن في الوقوع في مصيدة الخطيئة.
2- هؤلاء الفتيات أو النسوة يصبحن أدوات سهلة للابتزاز والمساومة عند اكتشافهن بوادر الحمل وحتى الولادة فمنهن من يستطعن التغلب على وأد الفضيحة والتخلص منها إما بالمال لمن تستطيع، وربما تعرضن للنصب والاحتيال، وإما بالابتزاز في تلبية أي متطلبات أخلاقية أو جنائية تحت ظل الجهل، وغياب الوعي، وسيطرة الخوف من الفضيحة والعقاب، وعودتهن مكرهات إلى دائرة الخطيئة.
3- عند ولادة الطفل، والتخلص منه بالطرق التقليدية على أبواب المساجد أو في براميل النفايات كما شاهدنا من توثيق بعض الحالات تبدأ رحلة العذاب لهذا المولود الذي قذفه والده متعة وشهوه، وحملته أمه همًا وخوفًا وولدته ألمًا وحزنًا فالوالد تنصل من مسؤولية هذه القضية وتوارى خلفها بعد ساعات معدودة كانت بالنسبة له متعة وشهوة والأم عاشت وعانت هم الخوف والفضيحة وألم الحسرة والندم لمدة تسعة أشهر تزيد أو تنقص وتنتهي رحلة عذابها مع التخلص من ذلك المولود الذي تولد معه رحلة العذاب ويدفع ثمن تلك الخطيئة وحده طوال حياته.
4- بعد العثور على المولود مجهول الأبوين يشكل هاجسًا وعبئًا على المؤسسات الأمنية والاجتماعية والصحية من دوامة البحث والتحري عن الوالدين وما يتداعى له الوضع الصحي للمولود؛ خاصة إذا كان يحمل أمراضًا وراثية أو معدية وما يتطلبه ذلك من جهود واتخاذ دائرة من الإجراءات تزيد من الأعباء والجهود على القضايا الأمنية والاجتماعية والصحية الأخرى.
5- رغم ما توليه المؤسسات الأمنية والاجتماعية والصحية من رعاية واهتمام بهذه الفئة وتضافر جهود وتعاون وتطوع بعض المؤسسات الخيرية في رعايتهم، ومنها جمعية الوداد الخيرية إلا أن هناك عقبات شائكة تعترض مسيرة الرعاية ومنها تعذر احتضان بعض مواليد مجهولي الأبوين الذين يحملون بعض الأمراض الوراثية المعدية مثل: الإيدز، والكبد الوبائي، والتشوهات الخلقية وغيرها؛ نتيجة تخوف الأسر الحاضنة من العدوى أو تعذر تطابق شروط الرعاية للأسر الحاضنة ومنها تطابق لون البشرة؛ ونتيجة لذلك يعيش أولئك الأطفال حياتهم بين دور الرعاية والمستشفيات ويحرمون من الاستقرار العاطفي والنفسي.
6- البعض من مجهولي الأبوين ممن وصلوا لسن البلوغ والمراهقة يتعرضون للضغوط النفسية بسبب الصراع النفسي الذي يعيشون تقلباته وتركيزهم الفكري على نظرات المجتمع لهم؛ مما يولد لديهم بعض الأمراض النفسية التي تفقدهم الثقة والتوازن الفكري، ويجعل البعض منهم وجهة سهلة لمن يتربص استغلالهم في أي أفعال أخلاقية أو إجرامية أو جنائية لاسيما أولئك الذين يرضخون تحت ضغوط الحاجة المالية إذا لم تتوفر لديهم فرص العمل والانخراط في المجتمع.
التوصية
1- هذه القضية ستبقى شائكة ومعقدة في ظل ما تم ذكره والخافي أعظم ونحن مقبلون على مستقبل واعد بكل خير وتحول وطني برؤية حديثة كفلت أمن الحرية الشخصية والمجتمعية، ورفعت القيود، وسهلت الانفتاح على العالم لما تفتضيه المصالح المحلية والدولية في ظل تطور النظام العالمي (العولمة)، وسيؤدي ذلك إلى ازدياد كثافة هذه القضية ومافيها من تعقيدات تزيد من الأعباء الأمنية والاجتماعية والصحية وتخرج أجيالًا ربما يشكلون يومًا ما اتحاد أقلية، يطالبون فيه بمطالب حقوقية قد تكون مسيسة أو موجهة من أعداء الوطن من الداخل أو الخارج، وقد يستعينون بالمنظمات الدولية الحقوقية في تحقيق مطالبهم.

2- عرض اقتراحي على لجنة مختصة من هيئة كبار العلماء – وزارة الداخلية – وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية -وزارة الصحة ودراسته (شرعًا ونظامًا) بالبحث عن وسائل وقائية تمنع وتحد من وقوع هذه القضية مثل: (الاستفادة من علم البصمة الوراثية والحمض النووي الذي أثبتت التجارب الطبية الحديثة بواسطة تقنيات متطورة أن لكل إنسان جينًا بشريًّا يختص به دون سواه، ولا يمكن أن يتشابه فيه مع غيره، وهو أشبه ما يكون ببصمة الأصابع في خصائصها بحيث لايمكن أن تطابق الصفات الجينية بين شخص وآخر حتى وإن كانا توأمين).
وإنشاء قاعدة بيانات خاصة بالشفرة الوراثية، وتصبح (بنك معلومات للهوية الشخصية)، وربطها بإجراءات إصدار وتجديد وثائق الهوية لجميع المواطنين والمقيمين من الولادة وحتى الوظيفة، وإلزام الجميع بها من خلال ربطها بجميع دوائر الخدمات الحكومية والأهلية التي تضمن معرفة هوية والد ووالدة أي مولود يتم العثور عليه بكل سهولة من خلال تطبيق نظام البصمة أو الشفرة الوراثية، والتي ستسهم في الحد من هذه القضية نتيجة تخوف أطراف القضية من دور قاعدة بنك المعلومات في كشف هوياتهم، وكذلك من أجل إلزام الوالدين باحتضان ورعاية أبنائهم تحت مظلة الجهات المعنية ودورها الاجتماعي والأمني.
3- في حال تعذر استخدام تطبيق علم البصمة الوراثية فأرجو التفكير في معاملة هذه القضية مثل معاملة قضية إدمان وتعاطي المخدرات من خلال أن يكون لها مراكز وإجراءات علاجية سرية تضمن المحافظة على أمن وسلامة المولود ووالدته وسمعتها من أي اعتداء أو ابتزاز او ملاحقة قانونية أو قضائية، وأن يكون هناك ملاذ يفرج كربة الأم، ويحمي المولود، ويحافظ على صحته وسلامته من أي مخاطر، وربما كان سببًا في قبول رعاية الأم لوليدها بطريقة سرية تحت مظلة الجهات الرسمية تحفظ الأمن والاستقرار العاطفي والنفسي للطفل.
4- استحداث برامج ما يسمى (بالأسر الصديقة) المتطوعة بهدف زيادة التفاعل بين المؤسسات الاجتماعية والبيئة المحيطة من خلال تكوين علاقات صداقة بين فئة مجهولي الأبوين وبين (الأسر الصديقة) من خلال الزيارات والاستضافات الأسبوعية وأثناء الإجازات المدرسية بهدف تعويدهم على العادات السائدة في المجتمع من خلال الاطلاع والتفاعل المباشر مع أفراد (الأسرة الصديقة) لمن يكونوا في دور الرعاية والأسر الحاضنة تحت إشراف ومظلة مختصة.
5- دعم وتطوير برامج التوعية والإرشاد والدعم النفسي في دور الرعاية ولدى الأسر الحاضنة.
6- إعداد برامج توعوية من الجهات الأمنية عن كل المخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها هذه الفئة من منظور أمني شخصي اجتماعي.

هذا والمجال مفتوح للجميع بالمساهمة بالدعم المعنوي والمالي والفكري والتطوعي من خلال التواصل مع جمعية الوداد
(وَمَا تُقَدَمُوْا لِأَنْفُسَكَم مِنْ خَيرٍٍ تَجَدُوْهُ عِنْدَاللهِ هُو خَيرًا وَأَعَظمَ أَجَرًا وَاِسْتَغْفِرُوا اَللهَ إِنّ اَللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

Related Articles

6 Comments

  1. اخي اللواء محمد
    عندنا كتبت وكأني امام متخصص في هذا الموضوع لشمولية ما كتبت فقد استجمعت المشكله والحلول بخطوات علميه وعمليه
    والحل رقم ( 3 ) اراه جميل جداً للمساعده في مواجهة مثل هذه المشكله وكحل سريع لها
    في ظل استخدام البصمه الوراثيه والذي يحتاج لسنوات

    ليس بغريب عليك هذا الطرح والذي كلي ثقه ان الجهات المعنيه ستاخذ به بل وستكون احد الكوادر الذي تنفذه على ارض الواقع لغزارة علمك وطيبت قلبك وحنانك الابوي الكبير وحصيلتك العلميه والعمليه وكل هذه الاسباب تجعلك احد قائدي هذا التوجه والتي يجب ان تستفيد منها الجهات ذات العلاقه

    اكرر شكري وتقديري واعجابي بطرحك الراقي

    1. كل الشكر والتقدير
      سعادة الشيخ فهد الهشبول
      على كرم القراءة والمشاركة
      واختيارك رقم 3 هو الذي نرجوا ان يتم دراسته واعتماده ليخفف من اثار وتبعات هذه القضية
      دائماً ما اجد طيبك الفواح في مشاركاتي حفظك الله

  2. فكرة الحل الثالث هي الاكثر قبولا. وان كان هناك امر مهم فهو عدم تيسير السبل والحلول لهذه الشريحة لمنع تكاثرها وانتشارها ولكن لابد من ايجاد معالجات للحالات الموجودة في الواقع. الله يحفظ امتنا من الفساد وانتشاره

    1. تشرفت بمشاركتك وردك اخي
      سعادة المهندس عبدالمجيد البطاطي
      سعدت كثيراً باختيارك للحل رقم 3 لعل ذلك يكون سببا في دراسته واعتماده
      كل الشكر والتقدير والدعاء

  3. أخي .. سعادة اللواء محمد
    حضور جميل ورائع وجهد متميز .. تمكن من محاور القضية وطرح محترف لجوانب المشكلة ومقترحات الحلول .
    مثل هذا الجهد المبارك يحتاج للجهات الفاعلة التي تتبنى مثل هذه المساهمات الإيجابية .
    تحياتي لك

  4. جزاك الله خير اخي سعادة الدكتور محمد مهيوب
    اسعدني وشرفني مرورك العطر بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button