مكة المكرمة – عبدالله الذويبي:
حث فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل جميل حسن غزاوي على التأمل في مخلوقات الله، وأنها من أجلّ العبادات القلبية، وأسباب زيادة الإيمان، وأن في ديننا الإسلامي آداب وأحكام شرعية في التعامل مع الحيوانات، حرصت على الرفق بها، وذلك قبل نشوء المؤسسات التي تهتم بالحيوان.
جاء ذلك في خطبة صلاة الجمعة بالمسجد الحرام اليوم.
حيث قال فضيلته في الخطبة الأولى:( قد جعل الله لنا في هذا الكون من الآيات والعبر الدالة على ألوهيته؛ فجميع المخلوقات سبل متصلة إلى معرفته، وحجج بالغة على ربوبيته، والكون جميعه ألسن ناطقة بوَحدانيته.
حيث قال فضيلته في الخطبة الأولى:( قد جعل الله لنا في هذا الكون من الآيات والعبر الدالة على ألوهيته؛ فجميع المخلوقات سبل متصلة إلى معرفته، وحجج بالغة على ربوبيته، والكون جميعه ألسن ناطقة بوَحدانيته.
ومما دعا الله عباده إليه النظرُ لما في السماوات والأرض، نظرَ فكر واعتبار وتأمل.
ومن تلك الآيات الباهرة والمخلوقاتِ البديعة التي هي محل للتفكر والنظر “الطيرُ” ذلك المخلوق العجيب الذي قد جعل الله له من الخصائص والسمات ما يمتاز به عن غيره، ويدل دَلالة واضحة على كمال قدرته سبحانه، وبديع صنعه.
والطير أمة من الأمم، فالطير جماعات وأجناس مماثلة لبني آدم في الخلق والرزق والحياة والموت والحشر، ومتى طغى بعضها على بعض أو ظلم بعضها بعضا حوسبت يوم القيامة واقتص من ظالمها لمظلومها وإن لم يكن من قصاص التكليف إذ لا تكليف عليها، بل هو قصاص مقابلة؛ ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتَّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ” وبعد أن يحكم الله بين الدواب بحكمه العدل يجعلُها ترابا.
ومما نبهنا الله إلى النظر إليه تسخيرُ الطير بين السماء والأرض وهي تبسطُ جناحيها وتقبضُهما في الهواء.
والطير تسبِّح ربها كما تسبح المخلوقات كلُّها، فأين الغافلون عن ذكر الله وهذه المخلوقات كلها ناطقُها وجامدُها خاشعةٌ ذليلةٌ تسبح الله وتتجه إليه لا إلى سواه في تناسق بديع ونظام عجيب؟!
والطير تسجد لخالقها كما أن كل شيء يسجد لعظمته طوعا وكرها.
والطير من الكائنات التي سخرها الله لنبيه داوودَ عليه السلام، تطيعه وتسبح الله تبعا له، كما أن الطير كانت من الجنود المسخرة لنبي الله سليمان عليه السلام.
والطير تسجد لخالقها كما أن كل شيء يسجد لعظمته طوعا وكرها.
والطير من الكائنات التي سخرها الله لنبيه داوودَ عليه السلام، تطيعه وتسبح الله تبعا له، كما أن الطير كانت من الجنود المسخرة لنبي الله سليمان عليه السلام.
وهذه الطيور تُعلِّم الناسَ دروساً وعبراً تفيدهم وينتفعون بها في حياتهم، ففي قصة قابيل الذي قتل أخاه هابيل دروس كثيرة منها: إلهام الله ذلك الغراب أن ينزل ويثير الأرض ليدفن فيها غرابا ميتا؛ ويُعَلِّمَ قابيلَ كيف يسترُ بدن أخيه، وفي قصة تفقد سليمانَ عليه السلامُ الطيرَ عبر وعظات متعددة.
وأنَّ في أدنى خلق الله وأضعفِه من أحاط علماً بما لم يحط به، لتهونَ عليه نفسُه ويتصاغرَإليه علمُه، ويكونَ لطفاً له في ترك الإعجاب الذي يفسد العمل وينسي شكر النعمة، ومن هدايات الآية أن يدرك المرء أنه قد يكون عند من هو أصغر منهسنا، وأقلُّ علما ما ليس عنده، فلا يحتقره بل عليه أن يستفيد من كل أحد، ولا يأنف أن يسمع من غيره وينتفع منه .
ومهما أوتي المرء من علم ومهما بلغ علم الخلق فهو محدود لا يعد شيئا أمام علم الله الواسع الشامل الذي أحاط بكل شيء .
أيها المسلمون: والطير مثال عظيم للتوكل على الله فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أنكم تتوكَّلون على اللهِ حقَّ تَوَكُّلِه لرزقَكم كما يرزقُ الطيرَ، تَغْدو خِماصًا، وتروحُ بِطانًا) رواه أحمد والترمذي،ولا يعني هذا أن يقعد الإنسان عن العمل والاكتساب، منتظرا الرزق، بل عليه أن يبذل السبب؛فهذه الطيور لا تبقى في أوكارها تنتظر رزق الله، بل تخرج في الصباح وتتسبب وتتكسب، ثم بعد ذلك ترجع في آخر النهار ممتلئة البطون.
ومن توكل على الله حق توكله ارتبط قلبه بالله، وعلم أن الاكتساب والغنى والتحصيل لا يكون بما أوتي من ذكاء وطاقة ومهارة وحرفة وصنعة، وما أشبه ذلك، وإنما يعتقد جزما أن الله هو مسبب الأسباب، وأن أزمّة الأمور في يده، فيتوكل عليه ويبذل الأسباب بطلب الرزق من وجه حلال، والله الغني الرزاق المتكفل برزق العباد، وهو إلى مشيئته فمن شاء وسع عليه في رزقه وأكثر ومن شاء ضيق عليه رزقه وقتر، وكل ذلك وَفق حكمته فيما قضى وقدر.
ومما يستفاد من هذا الحديث أن الطيور تعرفُ خالقها عزَّ وجلَّ، وتطيرُ تطلبُ الرِّزقَ بما جبلها اللهُ عليه من الفطرةِ التي تهتدي بها إلى مصالحها، كما أن في كونها تغدو إلى مَحَلاَّتٍ بعيدة، وتهتدي بالرجوع إلى أماكنِها، لا تخطئها، دَلالة على حكمة الباري الذي أعطى كلَّ شيءٍ خلْقَه ثمَّ هدى.
أما الخطبة الثانية فتحدث فيها فضيلته عن فضل الطير ورفعةِ مكانتها وأنها جعلت آية من الآيات لبعض الأنبياء فقد كانت إحدى دلائل عظمة الله في إحياء الموتى التي أجراها على يد إبراهيم عليه السلام، وكَانت الطير من دلائل نبوة عيسى عليه السلامُ، وحجـتِه على قومه فكان يصوِّرُ من الطِّين على شكل الطَّير، ثمَّ ينفخُ فيه، فيكون طيرًا تدِبُّ فيه الرُّوح بإذن الله سبحانه.
وقال الشيخ فيصل غزاوي: (ولحم الطير من جملة الطيبات التي أحلها الله لعباده في الحياة الدنيا؛ ولم يُنه إلا عن كلِّ ذي مِخْلَب منها كما صح بذلك الحديث.
والانتفاع بالطير لا يتوقف على الحياة الدنيا وحسب، فمن طعام أهل الجنة الذي يتمتعون بأكـله لَحْمُ الطَيْر .
أيها المسلمون: من الرحمة بالحيوان والطير أنه لا يجوز تعذيبها ولا تجويعها، أو تكليفها ما لا تُطيق، أو لعنها أو اتخاذها هدفا يصوب إليه ويتعلم فيه الرمي.