أرجوان الهيفاني- الطائف
أكدت أماني العجلان أنها تؤمن بالرسائل الإلهية ودورها في تحديد مسار حياة الإنسان، وأن المرحلة القادمة تتطلب الاعتماد على الوكالات أكثر من وزارة الإعلام. جاء ذلك في حوار مع “مكة” حيث تناولت فيه عددًا من القضايا التي تهم المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص.. وإلى الحوار.
من هي أماني العجلان؟
أنا أماني عبد الرحمن العجلان، مواليد 1982م، حاصلة على بكالوريوس خدمة اجتماعية من جامعة الأميرة نورة. درست ماجستير علم اجتماع مجتمع معاصر وحداثة وثقافة في ألمانيا، اشتغلت في أكثر من قطاع منذ أن تخرجت إلى يومنا هذا، وأستخدم منصات التواصل الاجتماعي كمنصات وحسابات شخصية بحتة، أمارس فيها هوايتي من خلال التواصل مع الآخرين ونشر المعلومات، إن كنت أملك معلومات مفيدة، وأحيانًا ترفيهًا ويوميات.
– ما هي أبرز المحطات في حياتكِ؟
لا أستطيع أن أخبرك عن الأبرز والأقل تأثيرًا بمحطات حياتي؛ لأنه من ممكن أن تكون هناك محطة لكثير البشر تعتبر محطة ونقلة نوعية، وفعلًا تكون قد غيرت في مسيرته، مثلًا تخرجك في الجامعة، وأول وظيفة، لكن فعلًا المحطة الحقيقية تكون وراء تغيير حياتك وكان لها تأثير كبير، مثل موقف بسيط أو فنجان قهوة بالشارع، لا أقدر أن أجزم لك بمحطات تأثيرية محددة، لكن بالنهاية، لآخر يوم بعمر الإنسان حياته كلها محطات، كل موقف سأمر فيه سيؤثر فيَّ ولو بشكل بسيط، خاصة أنني شخص يؤمن بالرسائل الإلهية، وأضافت العجلان: موقف وشخص يمكن أن يجيب على التساؤلات العقلية لدي.
هناك بعض المحطات التي أثرت بحياتي وهي:
المحطة الأولى: هي وظيفتي، الأبرز بالنسبة لي، والتي جعلتني أخرج كل ما بداخلي، هي في برنامج الأمان الأسري، بدأت معهم في 2009 وانتهيت منها 2012 ثلاث سنوات تقريبًا، وكانت من أصعب الوظائف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، سواءً من عدم تقدير الأشخاص للمهنة، وكنت بأول طريقي لم أكمل السنتين موظفة، فخبرتي المهنية لا تتجاوز السنتين في ذلك الوقت. خضت تحديات كثيرة وصعوبة من كل ناحية، وكنت أعتقد خلال ذلك الوقت أني أُحبطت إحباطًا شديدًا، لكن بعد ما مرت السنوات أقول، لو أن هناك وظيفة صقلت أماني العجلان وجعلتها على ما هي عليه الآن، ستكون هذه الوظيفة الصعبة؛ لأن فيها تحديًا كبيرًا من جميع النواحي، مثل أي موظف يواجه صعوبة في أبسط الأمور: مكان عمله، وقت عمله، عدد الساعات، وإذا ما كان المدير يطلب ولا يعطيه حقه المعنوي، عدا أيضًا حالات وقصص العنف الأسري، وعاطفتي ليست مقياسًا مثل أي شخص عادي يسمع قصة مقارنة بدراسة الحالة، فتعاملي بأعماق القصة واكتشاف الجوانب الأخرى والتشعبات جعلتني أنظر للأمور بزاوية أخرى، واكتشفت حينها فرقًا واختلافًا كبيرًا بين الجزء النظري والعملي، جميعها كانت تشعرني بالإحباط، ولكن جعلتني أيضًا أتحدى نفسي خلال ثلاث سنوات.
أما المحطة الثانية فهي سفري والغربة التي كنت أحلم بها، وحلمي هذا منذ أن كنت بالثانوية العامة، أن أستقر وأعيش بمفردي، إلى أن تحقق هذا الأمر في عام ٢٠١٤، وسافرت وعشت تجربة الغربة، أنا دائمًا أسافر للسياحة، لكن تجربة الغربة مختلفةٌ جدًّا، كيف أنجز معاملاتي خاصة وأن التعامل مختلف، من بلد كل شيء فيه إلكترونيًّا، إلى دولة أوروبية، جميع المعاملات بالورق والفاكس والمكاتب، هذا غير اختلاف الأشخاص، مثلًا المجتمع الأمريكي يظل مألوفًا بسبب المسلسلات الأفلام، لكن المجتمع الألماني، لا لغة أو ثقافة نعرفها عنهم، كل الذي نعرفه مجرد قصاصات من تاريخهم في بعض الحروب، لكن لا توجد معلومات، فكانت تجربة فريدة من نوعها بسبب اعتمادي الكبير على نفسي وإصراري على حلمي.
– ما هي أبرز الشخصيات التي تستحضرينها في كل محطة؟
شخصيات عديدة، لا أستطيع ذكرها على وجه الخصوص، وكما قلت هي صدف مصيرية، مثلًا شخصية غريبة تناولت معها القهوة وتبادلنا الحديث؛ جعلتني أقرر قرارًا غيَّر مسيرة حياتي، وأنا سعيدة وشاكرة وممتنة لله لأنه يضع الأشخاص الطيبين في طريقي .. الحمد لله دائمًا وأبدًا.
– ما هي أبرز المعوقات التي واجهتك في كل محطة؟ وكيف تم التغلب عليها؟
هي محطة السفر والغربة؛ بسبب مرض والدي خلال وجودي بألمانيا وحنيني للوطن، كنت كل شهرين أرجع إلى الرياض، وأيضًا كنت في مدينة يقل فيها العرب جدًّا بشكل عام، أقرب شخص عربي كانت فتاة، طالبةً سعودية تبعد عني ٢٠٠ كيلومتر، أذهب إليها من أجل أن أسمع لهجتنا السعودية وحديثنا ليس اللغة العربية فقط، وكنت أتواصل مع أسرتي بالمكالمات المرئية وأصب كل تركيزي وحنيني إليهم، خصوصًا عندما دخل والدي إلى المستشفى، تجديني باليوم التالي مسرعة إلى المطار.
ما هو سبب اختيارك لدولة ألمانيا؟
سبب اختياري لدولة ألمانيا أنها قريبة، ٦ساعات طيران فقط إلى الرياض، لم أستطع تحمل فكرة أن أعيش بأمريكا مثلًا ١٥ ساعة على الأقل، وحينما أرى صور فيديوهات الرياض وهي ممطرة، أشعر بأني أريد الرجوع، رغم أني بين الطبيعة والجمال… فالحنين للوطن كان يتعبني، واشتياقي لأن أتحدث مع شخص من نفس ثقافتي وبلدي يخفف من شعوري بالغربة. فالفتاة السعودية من القصيم، ومتزوجة من رجل ألماني، ٢٠ سنة مستقرة بألمانيا وكانت تحن وتشتاق أكثر مني.. كانت يائسة ودخلت في حالة مرضية صعبة وترغب على الأقل بتوديع السعودية وخائفة من عدم إمكانها الرجوع وتجديد جوازها… ومن بين جميع المبتعثين والمستقرين بالخارج قابلت هذه الفتاة القصيمية المتزوجة من ألماني وأمها ألمانية، فكرت حينها بأنه لا توجد رسالة إلهية أوضح من هذه الرسالة للرجوع إلى الرياض. أكملت ثلاث السنوات دراسة، ولكن رجوعي سببه الأول مرض والدي.
– بما أنك شغلتِ منصب مستشارة سابقًا، ما رأيك بمستوى الإعلام السعودي حاليًا؟
كنت مستشارة في رسم استراتيجيات التأثير على الرأي العام، ولم تكن لي علاقة قوية بالإعلام، شغلت جزءًا معينًا باختصاصي ومجالي، مثل الأدوات المتبعة في قياس الرأي العام إلى آخره، ورأيي أنا كشخص عادي يتأثر بالإعلام.
أرى من وجهة نظري، أن الأداة الإعلامية لا تتناسب مع ما خضناه في السنوات القليلة التي مضت وما سنخوضه مستقبلًا، فوجود وزارة للإعلام ضمن رؤية ٢٠٣٠ غير متوافق أبدًا مع تلك الرؤية، وكأنك تستخدمين التليفون الثابت في زمن الأجهزة الذكية، أو الفاكس في زمن الإيميلات والهواتف! أعتقد لو أننا نسير على الرؤية ونتطلع للتأثير المحلي على الفرد والمجتمع أو التأثير العالمي المفترض؛ سننتقل إلى مرحلة الوكالات الإعلامية، ستكون عملًا مستقلًّا يخضع لسياسة الرؤية ويخدمها، وهذا مختلف عما أراه الآن حاليًا، لا أعلم كيفية هيكلة الوزارة، من الممكن الاعتقاد بأن خطة الإعلام تخدمنا الآن، لكن مستقبلًا لا..
أما عن التأثير، فلا أرى قوة لتأثير وزارة الإعلام، بعكس قوة ثأثير القطاعات وأصحاب الرسائل والقرار، هم أقوى، مثال جائحة كورونا، كانت وزارة الصحة المسؤولة عن هذه الجائحة هي المتحدث الأول، وعندما نحكي عن البترول مثلًا، وزارة البترول هي المتحدثة بأدواتها الإعلامية؛ إذن الوكالات الإعلامية هي الأنسب، وهي المخوَّلة بإدارة العمل الإعلامي للشرائح المستهدفة بما يصب في مصلحة الوطن وتحقيق الرؤية وخطط الجهات الرسمية.
هل تمارسين الآن تخصصك بالمجال الذي تعملين به؟
نعم، ولم أعمل من قبل ولا الآن بمجال غير مجالي، الفكرة بأن تخصصنا كان غير متداول قديمًا، يرون الشخص المتخصص بعلم الاجتماع فاشلًا ولن يجد وظيفة، والصورة النمطية أن أي شخص يتخصص في علم الاجتماع أو علم النفس أنه يعمل بمستشفى أو مدرسة، ولا يعلمون بأن تخصص علم الاجتماع يدخل في كل شيء، في الاقتصاد، وصناعة الإعلام، والعملية التعليمية والعلاجية، وبما أني درست تخصصًا أريده وأرغب به؛ حرصت أن أصنع فرصتي ووظيفتي بيدي وألا أنتظر أن تأتي الوظيفة، لأني لو انتظرت لن يتغير شيء ولن يحدث شيء، شغفك ورغبتك هي التي ستصنع لك فرصتك.
– برأيك، ما هو الفرق بين الحقوقيات الآن المنتشرات عبر منصة التويتر وبين الساعيات لتمكين المرأة؟
لا تستطيعين أن تجزمي أنهن من بناتنا السعوديات، أو من أي شريحة بالمجتمع، أو من هي الفئة التي يمثلنها، ومن أجل أن نكون منطقيين، في أي مجتمع سيكون هناك طرفا نقيض، لديك المتطرفون، والسواد الأعظم يعتقدون أن من واجب الدولة السيطرة وفرض قيود، بغض النظر عن أن المرأة كاملة الأهليَّة، فتفكير المتطرف وعقليته تفرض عليه هذا التطرف والمتطرف الموازي له. متحدثة بالتويتر بالغة عاقلة تعيش في هذا الوطن وتطالب بحقوقها بهجوم، وتنظر لكل من يخالفها أنه يستحق القتل والشتم ومسميات شرسة! السؤال: كيف تبنت معتقداتها وأفكارها؟! وهل هي شخص سوي من الأساس؟! لا أعلم مدى صحتها النفسية لأن الإنسان العاقل الواعي يخالفك الرأي ويتحاور معك ويناقشك لكن لا يضطهدك ويهاجمك ويحرِّض. هنا اعلم أنه يوجد خلل ما. على أي حال لا يخلو أي مجتمع من المتطرفين بهذا الشكل، سواء كان أجنبيًّا أو عربيًّا، وهناك الطرف الآخر، المرأة، لديها حقوق كانت مغيبة في مرحلة من المراحل، وتوجهات الدولة دعمتها لتستعيد هذه الحقوق بحيث إنها أصبحت مواطنة ذات أهلية كاملة أمام الدولة، مع الحفاظ على دورها داخل الأسرة، وهذا الأمر خاضع لأخلاقياتها هي وأسرتها، بالنسبة للدولة هي تحاسب المواطنة كالمواطن بشكل متساوٍ، أما الجوانب الشرعية والقوامة وغيرها، فهذا أمر خاضع لمدى قناعة الأسرة نفسها ضمن محددات الدولة والتي هي أصلًا تحكم بالشريعة الإسلامية.
وأنا دائمًا لا آخذ بالسوشل ميديا.. ودائمًا أقول بما أنني لست صانعة قرار أو لي سلطة تخص هذه المواضيع؛ فأنا أملك الحق بأن أعبر عن رأيي، سواء خالفتك أو اتفقت معك، أناقشك أو أحظرك من صفحتي، أنا حرة، عكس صانع القرار، لا يستطيع التحدث حسب إيمانه وقناعاته يبدأ يأخذ بالحسبان عند اتخاذ القرار ٢١ مليون سعودي، بالإضافة إلى ١١مليون مقيم، جميعهم لديهم الحقوق والواجبات، لا يفكر ماذا يحب أو يكره ولا يؤثر على قراره؛ إذ يصبح قراره لصالح العامة.
وبعض الأشخاص يحاولون صناعة صورة ذهنية لدى العامة تجاه مثلا أماني العجلان فكيف يتم صناعة الصورة الذهنية بتكثيف أعداد الحسابات التي تهاجم أماني باستخدام بألفاظ معينة بحيث إن المتلقي العادي يبحث عن اسمي تجدين أشخاصًا يشتمون وأنت لا تعرفيني جيدًا، فالعقل الباطن يبدأ بتكوين الصورة الذهنية هذه، وحدث معي هذا الشيء في موضوع القيادة يقولون لي وجهًا لوجه أنتِ ضد القيادة، فأقول لهم أريد إثباتك سواءً بتغريدة أو فيديو أو ذكرت شيئًا من هذا القبيل، نعم أنا ضد أن الشخص ينزل إلى الشارع يخالف أنظمة الدولة ويشجع على الفوضى، ومن ثم ذلك يعطي الأحقية لأطراف آخرين من إخوان.. متشددين.. متطرفين، أقول لك نعم أنا ضد أي عمل همجي يخالف أنظمة الدولة ويمس أمن وأمان البلد، ولكني لست ضد أن المرأة تحصل على حقوقها لأني امرأة، وطيلة عمري أتحدث عن الجهات والقوانين التي كانت غير مفعلة سابقًا والحمد لله تم تفعيلها الآن بعد صدور الأمر السامي ٢٠١٧ بتمكين المرأة السعودية.
– وهل يعي المجتمع الثقافة والوعي الكافي تجاه المرأة وتمكينها؟
نعم، وتحضر هنا أيضًا فكرة التطرف، قد يكون هناك أفراد متطرفون رافضون، لكن هذا لا يلغي بشكل عام أن يصبح هناك وعي بدور المرأة وأنها جزء من المجتمع وتشكل وتلعب دورًا كبيرًا في رؤية ٢٠٣٠، وأيضًا أرى الوعي في ازدياد خلال خمس السنوات القادمة، سنرى مرحلة التفاعل ما بعد التقبل لهذه الرؤية بما يتضمن أيضًا الجانب الاقتصادي، نرى المرأة السعودية الآن حصلت على مناصب ومراكز، ودورها الفعال في كثير من القطاعات وتمكينها وتسهيل عملية دخولها لسوق العمل حتى نخفض أيضًا من نسبة البطالة التي كانت تشكل نسبة مرتفعة جدًّا رغم أننا نمتلك فرصًا وظيفية كثيرة.
– برأيك أين يكمن استقلال المرأة؟
استقلال المرأة يكون في وعيها بدورها الحقيقي، سواء كانت في أسرتها: زوجةً، أمًّا، ابنة، أو أختًّا، أيًّا كانت، موظفة، أو سيدة أعمال، كأي دور اجتماعي، مثل الرجل حينما تكون واعية بكيفية لعب هذا الدور، متى وأين وما هي حدودها، وإن حدث خطأ كيف تتصرف.. تترك عاطفتها وتحكِّم عقلها ومنطقها باتخاذ قرارتها، وألا تكون مندفعة وراء كل كلمة تقال، أو وراء كل ما يحرك عاطفتها، حينها ستكون مستقلة بذاتها، والاستقلال لا يعني أن تكون بمفردك، بل أن تكون فردًا فعالًا بمجتمعك، بأسرتك، بعملك، وأي مكان تكون موجودًا فيه استقلالك يكمن بأن غيابك سيترك خللًا أو يعطل أي مسيرة تكون فيها.
كلمتك الأخيرة في هذا اللقاء؟
أن يستمتع الإنسان ويمتن لكل شيء بحياته بأقل الأمور، مثل تنفسك، التنفس تعتقد أنه أمر عادي نمارسه، حتى ونحن نائمون، لكن في اللحظة التي يقف فيها الإنسان عن الاستمتاع والانبهار بأقل تفاصيل حياته سيتوقف عن التفكير وعمري لن يقف عن التفكير والاستفسار، سيعطيني الفرصة بأن أعيش فعلًا حتى وإن مررت بمشاكل، أظل أحيا ومستمتعًا ولن يكون يومي مثل أمس، مجرد أن نمشي بهذه الحياة ركضًا دون الشعور بالعيش لأن لذة الحياة تكمن بهذه الأشياء.