المقالات

تصلي على معلم الناس الخير

يُوافق يوم الخامس من شهر أكتوبر من كل عام يومًا للمعلم، وهو يوم يُذكرنا بالمعلم، وإن كنّا نعتبر أن المعلم حاضر معنا على مر الأيام والسنين فلا يوم يكفي، ولا يوم يوفي للمعلم حقه؛ ففي كل يوم للمعلم فضل، بل وفي كل ساعة؛ وذلك أنك ما نظرت لعمل يتم إلا وكان للمعلم فضل في أساسه؛ فإذا رأيت لوحة فنية وقفت احترامًا لمن رسمها، ولو أعجبتك قصيدة شعرية رائعة، مجدت شاعرها وإن رأيت مبنى معماريًّا به لمسات فنية امتدحت المهندس الذي صممه، وإن نجحت عملية جراحية معقدة شكرت الطبيب المعالج وأصل ذلك بعد الله هو ذلك المعلم الذي علم كل هؤلاء كيف يمسك القلم، ويقرأ الحرف، ويمسك الريشة ألا وهو المعلم.
وللمعلم والتعليم بالمملكة العربية السعودية مسيرة عظيمة نشير لبعض معالمها:-
⁃ كانت المملكة قبل توحيدها على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- أقاليم متناحرة ومتفرقة غارقة في الجهل، والفقر، والخوف، والتخلف، وكان التعليم نادرًا جدًّا، وإن وجد ففي كتاتيب ببعض القرى (لأنه لم يكن لدينا مدن آنذاك) بالمساجد، وكانت الرسالة إذا وصلت لأحد تبقى عنده لأيام وليالٍ يبحث عمن يقرأها له، ويطلق عليه في ذلك الحين مصطلح (من يفك الحرف).
⁃ بعد أن توحّدت المملكة عمد الملك عبدالعزيز بنظرته الثاقبة التي تتخيل المستقبل البعيد لتأسيس المدارس النظامية، وكان من أوائلها مدرسة دار التوحيد بالطائف عام 1364هـ، وربطت بالديوان الملكي لتمكينها ودعمها ماديًّا ومعنويًّا ولإغراء وتشجيع المواطنين لإلحاق أبنائهم بها وبعدها بدأ تأسيس المدارس بمدن المملكة، وجلب المعلمين من خارج المملكة للتدريس بها.
⁃ اعتمدت الحكومة منذ أن بدأت التأسيس الاعتماد على أبناء الوطن وسواعده في البناء؛ ولذلك عملت على أن يتولى أبناء المملكة التدريس والتعليم؛ ولذلك بدأت معاهد إعداد المعلمين المتوسطة بحيث إن المعلم بعد أن يكمل المرحلة الابتدائية يلتحق بالمعهد، ويدّرُس به ثلاث سنوات ثم يتخرج كمعلم، ويقوم بتدريس الابتدائي.
⁃ ثم بعد ذلك رفع مستوى الدراسة بتلك المعاهد، وسُميت معاهد إعداد المعلمين الثانوي؛ حيث إنه بعد أن يكمل الطالب الدراسة المتوسطة يلتحق بالمعهد، ويدرس به ثلاث سنوات، ويتخرج معلمًا للمرحلة الابتدائية.
⁃ ثم أنشئت الكليات المتوسطة لمدة سنتين بعد الثانوية.
⁃ بعدها أنشئت كليات إعداد المعلمين، وتم منح شهادة البكالوريوس لأول مرة للمعلمين ثم بعد ذلك ألحقت كليات المعلمين بكليات التربية في الجامعات، وألحقت بوزارة التعليم العالي قبل أن يتم دمج التعليم وتوحيده بوزارة التعليم.
⁃ كذلك كان حال تعليم البنات من التدرج ورفع مستوى الإعداد بحسب توفر الإمكانيات والعدد، وإن كان تعليم البنات بالمملكة تلقى بعض العوائق، وكان من أهمها معارضة الكثير من الناس، وفي مقدمتهم بعض العلماء لتعليم الفتاة، ولكن هذه المعارضة مالبثت أن تلاشت، وانتهت تحت واقع الحاجة والإقبال عليها من الناس والفائدة التى تحققت من ذلك.
⁃ صدر كادر المعلمين عام 1402 هـ تقريبًا فقلب المعادلة الوظيفية لصالح المعلم، وأصبحت المهنة مغرية للكثير من طالبي الوظائف.
⁃ ثم انتقلت المهنة من الكم إلى الكيف فاشترطت للالتحاق تجاوز بعض الاختبارات كالقياس، وأخيرًا رخصة المعلم، وهذا يصب لمصلحة المهنة وأهلها للحصول على نوعية مميزة من الكفاءات.
⁃ في هذه الرحلة التي استغرقت أكثر من سبعة عقود؛ حتى وصلنا لما نحن فيه من تميز وإمكانات فقد تحمل المعلم الكثير من المعاناة والشقاء؛ فكان يذهب ويعود عشرات الكيلومترات للمدرسة على قدميه أو على ظهور الدواب، وكانت المدارس من العشش والبيوت الشعبية التي تفتقد لأبسط الإمكانيات، وفي ظروف مناخية متقبلة بحسب مناطق المملكة بين حر وبرد وأمطار وسيول تقطع طرقهم من إلى منازلهم ومدارسهم، ومع هذا كان المعلم ولا يزال هو فرس الرهان الذي يحمل شعلة النور دون أن يعيقه لتحقيق هدفه أي عائق ولله الحمد، وهذا هو ابن هذه البلاد الطاهرة المباركة في كل ميدان.
⁃ ثم وصلنا لمرحلة التقدم والتطور الهائل ألا وهو التعليم عن بعد في هذه الأيام بعد جائحة كورونا، وأصبح الطالب يتلقى دروسه وهو في بيته والمعلم يشرح ويوصل له المعلومة إلكترونيًّا وجاءت منصة مدرستي لتضيف لمسة لهذه المسيرة العطرة، وكان المعلم هو فارسها وتحمل، وبذل الشيء الكثير، وطالعتنا وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بتضحياتهم وبذلهم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ محمد الفيفي الذي كان يواصل بذله وعطاؤه لطلابه من على فراش مرضه، وهو مصاب بالسرطان شفاه الله.
ختامًا فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأراضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير ) ليعلم المعلمون أهمية وقدر مهنتهم دينًا ودنيا.
وفق الله معلمينا ومعلماتنا لكل خيرٍ، وأعانهم على تحمل أعباء مهنة الأنبياء، ونفع بهم، وبعلمهم، وكتب أجرهم.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button