بعد تجربة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام ٢٠١٦م، وفوز ترامب في هذه الانتخابات التي كانت استطلاعات الرأي ترجح فوز هيلاري كلينتون لم يعد أحد يثق في نتائج هذه الاستطلاعات التي مازالت تعادي ترامب، وتجعل بايدن متفوقًا عليه، وهذا يرجع إلى ثقة ترامب نفسه في عدم جدية هذه الاستطلاعات خاصة أن ترامب يعادي وسائل الإعلام، ويتهمها دائمًا بالكذب ونشر الشائعا، وهذا يشكك في مصداقية وسائل الإعلام التي تقوم بعمل استطلاعات للرأي تكون نتيجتها تقدم بايدن على ترامب في حين أن بعض وسائل إعلام أخرى تشير إلى إمكانية تعادل ترامب وبايدن في انتخابات ٣ نوفمبر / تشرين الثاني المقبل، وهذا يؤكد عدم دقة هذه الاستطلاعات التي أصبحت محل شك كبير لكل المراقبين والمتابعين للانتخابات الأمريكية.
الأمر في الواقع له حسابات أخرى، ويختلف من ولاية أمريكية إلى أخرى، لكن بلاشك أن هناك ملفات تشغل الناخب الأمريكي، وعلى رأسها التعامل مع وباء كورونا، والذي أدى إلى عدد كبير من الوفيات في الولايات المتحدة على مستوى العالم، وهناك ملفات، وقضايا داخلية أخرى يهتم بها الناخب الأمريكي، ولعل أهمها الاقتصاد،
والعنف، والقضايا العرقية، وأيضًا المحكمة العليا التي أصبحت محل جدل بين ترامب، وبايدن، وهذا الجدل كان موجودًا في المناظرة الأولى التي جمعت بينهما، والتي سيطرت عليها الفوضى، وتبادل الاتهامات والإهانات طوال مدة المناظرة، والتي قاطع فيها ترامب بايدن، واستفزه أكثر من مرة لدرجة أن جو طلب من ترامب الصمت قائلًا له: هلا تخرس يارجل، لكن المناظرة هي أسوأ مناظرة رئاسية في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث وصف جو بايدن خصمه ترامب بأنه مهرج وكاذب، وطلب من الامريكيين التصويت ضده لأنه أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة من وجهة نظره، لكن ترامب وصف بايدن بأنه لعبة في يد اليسار الراديكالي، وأنه لايمت للذكاء بصلة، وأنه قضى ٤٧ عامًا في أروقة السياسة الأمريكية، ولم يفعل شيئًا، ورغم أن هناك مناظرتين أخريين في ١٥، ٢٢ أكتوبر إلا أن التوقعات تؤكد أن المناظرتين سوف تتكرر فيهما الإهانات، والفوضى كما حدث في المناظرة الأولى.
استطلاع الرأي الأخير الذي أجرى يومي ٢و٣ أكتوبر لرويترز _ أبسوس، ونشرت نتائجه يوم الأحد الماضي تقدم فيه المرشح الديمقراطي جو بايدن على ترامب بفارق كبير خلال شهر بعد الإعلان عن إصابة ترامب بفيروس كورونا وأشار هذا الاستطلاع إلى أن ترامب كان يمكن تفاديه انتشار الوباء لو تعامل بجدية أكبر معه، وجاءت نتيجة الاستطلاع ٥١% يؤيدون بايدن مقابل ٤١% يؤيدون ترامب، لكن مازالت هذه الاستطلاعات لاتحظى بمصداقية عند عدد كبير من الناخبين في الولايات المتحدة، وأيضًا المراقبين، والمتابعين للشأن الأمريكي.
عوامل كثيرة تحكم التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مثل الدين، وهناك ولايات تصوت حسب قرب المرشح من المسيحيين، وأرجع البعض فشل هيلاري كلينتون في انتخابات ٢٠١٦ م بسبب بعدها عن التدين المسيحي، والتواصل مع الكنيسة، وفي هذه الانتخابات ترجح كفة ترامب عن بايدن لأن ترامب يقدم نفسه على أنه صديق للمسيحيين ومدافعًا عن المسيحية، ويحافظ على قيم الكنيسة خاصة أنه يؤيد منع الإجهاض، وهو أول رئيس أمريكي يشارك في تجمع مناهض للإجهاض في الولايات المتحدة، وهذا يجعله مفضلًا عند المتدينين المسيحيين في الولايات التي تصوت حسب الديانة، وهذا يزيد أيضًا من فرص نجاح ترامب في الانتخابات.
هناك عدد كبير من الناخبين يرى عكس ذلك خاصة أصحاب البشرة السوداء الذين يرون أن ترامب يستخدم الدين للفوز بولاية ثانية في الانتخابات، وهؤلاء من الذين يتعرضون إلى أعمال عنف، وقتل على يد الشرطة الأمريكية، ولا يؤيدون ترامب لأنه بالنسبة لهم يمثل ذوي البشرة البيضاء، ويرى هؤلاء أن أزمة كورونا كشفت عن عدم وجود مساواة عرقية في الولايات المتحدة، وأنهم تعرضوا للظلم خلال تواجد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في فترته الرئاسية الأولى.
ملف الهجرة أيضًا يشغل الناخب الأمريكي خاصة أن هناك معارضة كبيرة من الأمريكيين الذين جاءوا من دول أخرى، ويرون أن تعامل ترامب مع المهاجرين، وتهديدهم بالطرد ينافي القيم الأمريكية التي تنادي باحترام حقوق الإنسان، لكن يرى هؤلاء أيضًا أن ترامب قادر على التعامل فيما يخص قضايا هامة مثل الاقتصاد، وتراجعت البطالة في عهده كثيرًا ووصلت إلى أرقام منخفضة جدًّا منذ عقود طويلة، وهذا الملف يتفوق فيه ترامب على بايدن، والذي يمكن أن يحسم هذه الانتخابات لصالح ترامب، بالإضافة إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتي لايهتم بها الناخب الأمريكي كثيرًا، وأثبت ترامب نجاحه في التعامل مع ملفات حساسة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها التهديدات الإيرانية لدول الخليج وأيضًا علاقة الولايات المتحدة مع روسيا والصين.
الحديث عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية يطول، ومستمر، لكن تظل استطلاعات الرأي علامة استفهام كبيرة، والأيام القادمة سوف تكشف مصداقية هذه الاستطلاعات من عدمها، وإذا كان سوف يتكرر سيناريو ٢٠١٦م ام أن هناك سيناريو آخر جديد في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم.
سؤال للكاتب :-
لو أظهرت الاستطلاعات الأمريكية تفوق ترامب في نسب التصويت ، فهل سيبقى المعيار هو نفسه بأن الاستطلاعات مزيفة وغير صحيحة ؟؟!!