كنا نسمع في سنوات قد خلت بأن فلانًا من الناس حوش مالًا وفيرًا (بمعنى ادخره) خلال سنين عمره التي أفناها في حركة فلكية دؤوبة ما بين عمله الرسمي، وما بين أعمال إضافية أخرى أو من خلال ما كان يستقطعه من راتبه طوال تلك السنوات مقترًا على نفسه وعلى أهله واضعًا نصب عينيه ذلك المثل الشهير خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود.
وتلك هي الأماني التي تجعلنا نبني أهرامًا من الأحلام، ونضع القرش على القرش والريال على الريال، ونعلن حالة التقشف في بيوتنا من أجل زيادة تحويشة العمر التي كانت تُبنى عليها الأحلام من أجل مستقبل واعد وغد مشرق في حياة كل أسرة.
لكن سرعان ما تبدلت الأوضاع مع فرض ضريبة القيمة المضافة وزيادتها عامًا بعد عام فارتفع مؤشر الأسعار في الأسواق، وتزايدت وتيرة الغلاء ولحقت بالركب فواتير الماء والكهرباء، واكتمل العقد بأضواء ساهر اللامعة التي أصبحت غولًا يخيفنا صباح مساء.
ثم جاءت كورونا فألقت بثقلها على الاقتصاد العالمي فانعكس ذلك سلبًا على اقتصاد الأفراد، ووقعوا تحت رحمة أسنان مناشير الغلاء الحادة التي نهشت قلوبهم قبل أن تنهش جيوبهم، فبدأ المغلوبون على أمرهم في البحث عن حلول تخرجهم من عنق الزجاجه فكان أول الحلول اللجوء إلى «تحويشة العمر» من أجل توفير احتياجتهم اليومية، فضاعت الأحلام التي بُنيت عليها، وبات رب الأسرة يواجه آثارًا نفسية مدمرة، وأصبح كل همه كيف يوفر متطلبات أسرته الضرورية ؟! وهل سيمهله القدر حتى يحقق أحلامه الوردية التي بناها على تحويشة العمر ؟!
وبما أن قضية ارتفاع الأسعار باتت من أكبر القضايا التي تقرع باب كل منزل؛ حتى أصبحت حديث كل المجالس فلم تعد هناك سلعة أو خدمة إلا وطالها الغلاء بشكل جنوني، وكل ذلك تحت وطأة ما يسمى بالاقتصاد العالمي الحُر الذي أصبح ذريعة للجشع والتلاعب بالأسعار والاحتكار.
وبما أن الغلاء أصبح داء عضال يحتاج إلى علاج سريع وناجع عجزت عن توفيره دول العالم بأسره؛ فإنه يجب علينا أن نضع الترتيبات والحسابات للقادم من المفاجأت بذكاء وفطنة كبيرة، وأن يكون لدينا القراءة الجيدة للأحداث المتوقعة مما يجعلنا قادرين على امتصاص الصدمات والعثرات بمرونة فائقة فنحن لا نعلم متى وكيف ستنتهي موجة تسونامي الغلاء ؟!
وخزة قلم
الغلاء ليس له دواء إلا إذا بدلنا كبش الفداء !!