المعلوم أن الخريف إرتبط بالثقافة العربية برحلة الإنسان الأخيرة في الحياة. حيث يلقي الإنسان بنظرهِ خلفهِ ليرى حصاد تجربتهُ الإنسانية التي مر بها من قبل. و هي ليست نهاية بالمعنى الحزين و لكنها هو الوقت الجميل المُهيء للإنسان حيث يتأمل فيه الإنسان لحظات تجربتهُ الإنسانية السابقة ببطيء و هدوء، فيرى فيها ما لم يكن يراه من قبل. لذلك يُقال بأن ذاك الوقت هو سِن الشفافية، بمعنى أن الإنسان يستطيع أن يدرك أبعاد ما حوله بشفافية عالية، يكاد بها أن يدرك الحقيقة.
.
مِن جهة أُخرى إرتبط الخريف في اللغة الأوروبية اليونانية و اللاتينية بوقتِ الحصاد بعد الجُهد و الكَدْ المبذولان في زراعة الأرض عِبر الفصول السابقة للخريف. تعني كلمة الخريف في بعض اللغات الأُخرى المحصول ذاته أو الفاكهة، و كلاهما يرتبط بالعمل في زراعة الأرض و ترعرع المحصول عِبر فصول السنة حتى يأتي الوقت الذي يُحصد فيه و هو فصل الخريف.
.
أما الألوان الجميلة التي نراها أمام عيوننا في أوراق الشجر و النباتات في فصل الخريف فهي ترتبط بإنسحاب عصارة أوراق الشجر و النباتات إلى سيقانها و جزوعها و جذورها قبل أن تسقط لكي تبُثها مرةٌ أُخرى إلى فروعها فينبُت منها براعم خضراء أُخرى في فصل الربيع، لذلك تبدو أوراق الشجر و النباتات بألوان أُخرى غير الألوان التي تعودنا مُشاهدتها في الفصول السابقة. يوحي ذلك بمُرادفات مع مُقارنة إنسانية. فترى كم كان الإنسان جميلاً في مرحلة البراعم الأولى و كم كان جميلاً مع مراحل التغييرات الخضراء في كل عام، و كم يكون جميلاً بألوان أُخرى قبل أن يسقط من الشجرة.
0